بسام أبو زيد - نداء الوطن
«اعتماد اللامركزیـة الإداریـة الموسّـعة علـى مسـتوى الوحـدات الإداریـة الصـغرى (القضـاء ومـا دون) عـن طریـق انتخاب مجلسٍ لكل قضاء یرأسه القائمقام، تأمیناً للمشاركة المحلیة».
هذه هي الفقرة التي وردت في «وثيقة الوفاق الوطني» أو ما يعرف باتفاق الطائف والمتعلّقة باللامركزية الإدارية الموسّعة والتي لم ترَ النور منذ أن أقرّ هذا الاتفاق في العام 1989، ولا يبدو أنّ توافقاً قد حصل بالفعل بين اللبنانيين على تطبيق هذه الخطوة رغم الأصوات التي ترتفع حالياً وفي معظمها أصوات مسيحية تنادي بتطبيق ما ورد في الطائف وتوسيعها كي تكون إداريةً وماليةً وصولاً إلى المناداة بالفدرالية.
الوقائع تشير إلى أنّ من يسيطرون على البلاد وفي مقدّمهم «حزب الله» وحركة «أمل» لن يقبلوا أبداً بتطبيق اللامركزية في شكل رسمي رغم أنهم يطبّقون في مناطق نفوذهم ما هو أبعد منها ومن الفدرالية، فهم لن يقبلوا التخلّي عن الإستفادة ممّا تبقّى من عائدات الدولة اللبنانية وخدماتها المموّلة من قبل جزء من اللبنانيين الذين يقومون بواجباتهم تجاه هذه الدولة، ويقول المنطق إنهم هم فقط من يفترض أن يستفيدوا من هذه العائدات والخدمات لأنّ أموالهم هي التي تبقيها على قيد الحياة.
إن تطبيق اللامركزية سيعطي المسيحيين في لبنان نوعاً من الاستقلالية السياسية وهذا ما لا يريده البعض أيضاً، فهذه الإستقلالية تتيح المزيد من الحرية لمواجهة المشاريع الغريبة عن لبنان، كما أنّها تفتح الباب أمام طروحات جدية لنظام فدرالي يضمن حياد لبنان أو ربما مناطق منه عن صراعات المنطقة التي أُسقطت فيها الدولة المركزية وما زالت.
إزاء هذا الواقع لا يمكن للمسيحيين اللبنانيين أن يبقوا مكتوفي الأيدي، بل عليهم فتح معركة اللامركزية على مصراعيها بالتنسيق مع المؤيّدين لها من مختلف الطوائف اللبنانية، والضغط باتجاه تطبيقها في أسرع وقت ممكن والإنطلاق منها نحو نظام فدرالي يحاول أيضاً البعض استبعاده من خلال فرض تغييرات ديموغرافية في المناطق ذات الأكثرية المسيحية من خلال محاولات السيطرة على الأرض وعلى الحركة الإقتصادية في هذه المناطق.
في هذه المسألة أيضا يُضرب اللبنانيون عموماً والمسيحيون خصوصاً من خلال بعض المزايدين الذين يكرّرون الشعارات الفارغة لجهة أنّ اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة والفدرالية هي طروحات مشبوهة وأصحاب هذه النظرية أرباب من طبق التقسيم على أرض لبنان في زمن الحرب وما زالوا يتمتّعون بمفاعيله حتى اليوم، وأن كل اعتراضهم نابع من أنهم لا يريدون الوقوف إلى جانب المسيحيين في هذه المطالبة، وخوفاً من إغضاب الممسكين بالبلاد والعباد.
قد يكون البعض يريد مقايضةً بين اللامركزية الموسّعة وإلغاء الطائفية السياسية ولكنها مقايضة لا تجوز، فغلاة المطالبين بإلغاء الطائفية هم في الوقت ذاته غلاة الطائفية والمذهبية ويريدون من خلال هذا المطلب أن يحقّقوا السيطرة الشاملة على البلاد والمواقع الأساسية فيها استناداً إلى مسألة العدد.