bbc
مرة جديدة، تعود أخبار حالات الانتحار المتزايدة لتصدّر النقاش في لبنان، بعد التبليغ عن إنهاء عدة أشخاص لحياتهم خلال فترة لا تتعدى الأسبوع.
وتناقل رواد مواقع التواصل الاجتماعي الأخبار قائلين إن هناك ارتفاعاً ملحوظاً بنسب الانتحار في البلاد، مع اشتداد الأزمة الاقتصادية وسوء الأحوال المعيشية بعد أزمة عام 2019.
وفي محاولة لمعرفة حقيقة هذا الارتفاع بالأرقام، تواصلت بي بي سي عربي مع المعالجة النفسية ميرا دالي بلطة، من جمعية "إمبريس" المحلية، التي تعنى بالصحة النفسية والوقاية من الانتحار.
وتؤكد دالي بلطة تسجيل 138وفاة سببها الانتحار في العام 2022، مقارنةً مع 145 في العام 2021، ما لا يشكل زيادة فعلية.
ولكن هذه الأرقام ليست دقيقة بشكل عام، بحسب دالي بلطة، وذلك لأنّ كثيرا من العائلات لا تُبلّغ قوى الأمن عن انتحار أحد أفرادها، خوفاً من الوصمة الاجتماعية. يضاف إلى ذلك رفض بعض رجال الدين الصلاة على الأشخاص الذين قرروا إنهاء حياتهم.
هل أسباب الانتحار واضحة؟
ملف الانتحار ليس جديداً في لبنان، مع ارتفاع الأرقام المعلنة بين الحين والآخر، إلى جانب تحذير مختصين وأطباء من وقع الأزمات السياسية، والحروب، والصدمات المتتالية، على الحالة النفسية العامة للسكان في لبنان.
ومع تصاعد الأزمة مؤخراً، من المفيد التذكير بالأسباب التي قد تكون دافعاً مباشراً لإنهاء شخص لحياته.
توضح المعالجة ميرا دالي بطلة أن الأسباب التي تدفع أي شخص إلى الانتحار عديدة، ولكن المراقبة الفعلية لمن يقدمون على محاولات انتحار، تشير إلى أنهم يشعرون بحاجة ملحة إلى "إنهاء قلق أو ألم يشعرون به"، مع شعور عارم باليأس.
تفصّل المشرفة على "خط الحياة" 1564 وهو خط ساخن تديره الجمعية منذ العام 2018، بعض أسباب الانتحار الشائعة، وتقسمها إلى:
عوامل بيولوجية، تتعلق بتغير في الهرمونات أو عوامل وراثية.
عوامل نفسية، تتعلق بمهارات التأقلم ومدى مرونة الأشخاص، إضافة إلى نمط تعلقهم بالآخرين، ومدى تعرضهم لصدمات خلال حياتهم.
عوامل اجتماعية، تتعلق بقدرة وصول الشخص إلى الأساسيات مثل المأكل والمسكن والشعور بالأمان، وهي الأمور التي يفتقدها العديد من الأشخاص حالياً في لبنان.
كيف نساعد شخصاً يتألم؟
إن كنا نشعر بفقدان الأمل، أو نلاحظ أن صديقاً يتألم، فما العمل؟
تقول سعد إنه من الجيد أن يتكلم الأشخاص مع أحبابهم عن مشاعرهم وعما يقلقهم، عوضاً عن كبت أفكارهم.
وعما يمكن لأي شخص يشعر أنه متعب وبدأ بفقدان الأمل أن يفعله للتخلص من تلك الأفكار، تقول سعد إنه يمكنه طلب المساعدة النفسية من أحد المختصين أو الاتصال بالخط الساخن المخصص للوقاية من الانتحار، أو التحدث إلى أحد أفراد العائلة أو الخروج مع الأصدقاء كخطوة بسيطة غير علاجية.
وتشدد سعد على أهمية اللجوء إلى العلاج النفسي لأن موضوع الأفكار الانتحارية وما يرافقها من مشاعر سلبية "له حلّ دائماً"، حتى وإن كان الشخص المعني لا يرى هذه الحلول في تلك المرحلة من حياته.
ومن جهتها تؤكد دالي بلطة أنه يمكن لأي شخص يعلم بمعاناة فرد من عائلته أو صديق ولديه شكوك حول إمكانية وجود أفكار انتحارية شديدة لديه، أن يتصل بالجمعية لطلب المساعدة.
وكانت الأدوية الخاصة بالاضطرابات النفسية قد فقدت في لبنان لأشهر، ولا زال الوصول إلى بعضها صعب.
كما أن كثيرا من الأشخاص فقدوا القدرة على شرائها أصلاً مع تدهور قيمة الليرة اللبنانية وفقدوا أيضاً قدرتهم على الوصول إلى معالج نفسي.
إلا أنّ جمعيات غير حكومية عديدة في البلاد تقدم استشارات نفسية مجانية أو مقابل بدل رمزي.
تقول دالي بلطة إلى أن آخر إحصائيات "إمبريس" تشير إلى أن شخصاً من بين كل 4 أشخاص يعاني من اضطراب نفسي في البلاد.
وتقول إن عدم القدرة على تأمين العلاج قد يكون عامل ضغط إضافي على البعض، قد يؤدي إلى تدهور حالتهم النفسية.
واختبر اللبنانيون مجموعة من الأزمات المتتالية منذ عام 2019، تمثلت بأزمة اقتصادية حادة مستمرة حتى اليوم، وانفجار مرفأ بيروت في العام 2020، إضافة إلى شح في المواد الأولية كالغذاء والدواء والوقود على مدى أشهر عدّة، وتدهور قيمة العملة الوطنية.
تزامن ذلك مع تكرار لخطاب الصمود والمرونة النفسية، ما قد يضع حاجزاً أمام بعض الأشخاص للتعبير عما يزعجهم، خشية الظهور بمظهر الضعفاء.
قد يكون تقييد الوصول إلى أدوات الانتحار، من الوسائل المفيدة لتفادي بعض الحالات، إلى جانب التوعية في وسائل الإعلام، بغياب أي خطة حكومية جدية لدعم العناية بالصحة النفسية، ومنح الأشخاص منافذ أمل.
فالتخلص من الوصمة السلبية المتعلقة بالصحة النفسية والتشجيع على طلب مساعدة المختصين تبقى الطريقة المثلى لبناء مجتمع أكثر راحة واطمئناناً، حتى في ظلّ أزمات سياسية ومالية متلاحقة.