دوللي بشعلاني - الديار
يريد البعض الوصول الى "لبننة" الإستحقاق الرئاسي مع الحديث عن أن "لا انتخاب لرئيس الجمهورية في لبنان" من دون حصول التسوية الخارجية الإقليمية والدولية. وتؤكّد تدخّلات الدول الخمس التي اجتمعت في باريس شباط الفائت لمناقشة الأزمة الرئاسية، وقيل إنّ اجتماعاتها ستُصبح دورية.
فدول الخارج تُحاول الضغط على الداخل لانتخاب رئيس، غير أنّها لم تُقدّم حتى الآن أي "سلّة متكاملة"، على ما يقول مصدر سياسي عليم، ولا تقوم بالتالي بتسهيل عملية الإنتخاب. وكلّ ما يهمّها هو أن يحصل انتخاب الرئيس في أسرع وقت ممكن لأنّ وضع لبنان لم يعد يُحتمل، لكنّ أولويتها حالياً ليس لبنان وأزماتها كون كلّ منها منشغل بمشاكله الداخلية، ما يضع "الكرة في ملعب النوّاب". وتتحدّث عن بعض الأسماء التوافقية الى جانب المرشّحين البارزين أي رئيس "تيّار المردة" سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزاف عون، في حال رأت الكتل النيابية أنّ أيا منها أقرب الى التوافق عليه، مثل إسم النائب نعمت افرام أو جهاد أزعور، كما تتداول باسم السفير نوّاف سلام لرئاسة الحكومة. فما يهمّها أن تحصل التسوية الداخلية على إسمي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة الجديدة، لكي لا تُشكّل الخطوة التالية للإنتخاب فراغاً أو عرقلة جديدة.
أمّا في الداخل، ففتح رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي صفحة جديدة من خلال الإعلان الرسمي عن أنّ مرشّح "الثنائي الشيعي" هو فرنجية، وجاراه الحزب التقدّمي الإشتراكي في لفتة أخيرة أظهرت بأنّه قد يكون الى جانبه. وكان سبق أن أعلن أنّه مع رئيس "حركة الإستقلال" المرشّح ميشال معوّض، على ما أوضح، ولكنه منفتح على مرشّحين آخرين، وذلك قبل السجال الذي حصل أخيراً بين برّي ومعوّض على خلفية عبارة "ملّينا من التجارب الأنبوبية". ولهذا ففي حال جرى تحديد الجلسة الـ 12 لانتخاب الرئيس، ووقفت إحدى الكتلتين المسيحيتين الكبريتين الى جانب "الثنائي الشيعي" فأمّنت النصاب القانوني أو انتخبت فرنجية، فإنّ الحزب التقدّمي الإشتراكي قد يُصوّت له. غير أنّ الأمر ليس محسوماً حتى الساعة.
ويؤكّد المصدر نفسه أنّ ترشيح فرنجية أو إمكانية انتخابه قد دخل بشكل جدّي وبقوّة على الساحة السياسية، لا سيما وأنّ الإنهيار في البلد يتفاقم يوماً بعد يوم، ولا بدّ من وضع حدّ له، إذ لا يمكن استمرار الوضع على ما هو عليه. ولا بدّ من التوافق عبر النقاش والحوار لتأمين انتخاب الرئيس بأكثر من 65 صوتاً. علماً بأنّ "التيّار الوطني الحرّ" و"القوّات اللبنانية" لا يزالان حتى الساعة يرفضان التصويت لفرنجية، ولكلّ منهما اعتباراته وحساباته السياسية.
وأشار الى أنّه مع نضوج المواقف السياسية، و"في اللحظة التي تتوافر فيها فرص التنافس" سيدعو برّي الى الجلسة الـ 12 لانتخاب الرئيس و"لينجح مَن ينجح"، على ما قال برّي أخيراً، من دون تحديد موعدها، إذا ما كان قبل شهر رمضان أو بعده. فما يهمّ برّي أن تكون الجلسة الإنتخابية جديّة ومنتجة، سيما وأنّ إتمام الملف الرئاسي بات واجباً وطنياً، وألّا يعود المجلس الى جلسات الإنتخاب- المسرحية والهزلية. الأمر الذي يُحتّم أن يُصار الى تكثيف النقاش حول الإستحقاق الرئاسي خلال الأيام المقبلة، لا سيما إذا ما كان الجميع مع تقصير فترة الشغور الرئاسي التي دخلت شهرها الخامس. وقد يكون هناك تجديد لدعوة الأقطاب اللبنانية الى طاولة حوار ونقاش للتوافق على إسمي رئيسي الجمهورية والحكومة المقبلين، إذا ما كان هناك نوايا واضحة لتلبيتها لا سيما من قبل الكتل المسيحية الرافضة لها.
ويقول بأنّ الوقت لم يعد وقت ترف أمام ما يحصل في لبنان من انهيار مستمرّ على مختلف الصعد، ودول الخارج باستثناء السعودية، لا تضع "الفيتو" على فرنجية في حال وافقت عليه الكتل النيابية في الداخل، وتوصّلت الى تسوية بالتالي على صعيد إسم رئيس الحكومة المقبل، وهي تُروّج لإسم السفير نوّاف سلام في هذا الإطار. فلم تعد تتوقّف عند لعبة الأسماء، بقدر ما تُشجّع على المضي سريعاً لانتخاب الرئيس والتوافق على "سلّة متكاملة" تشمل برنامج المرحلة المقبلة، بما فيها سياسة لبنان الخارجية والعربية، وسلطة قادرة بإنهاء الإتفاق مع صندوق النقد الدولي وتعمل على إخراج لبنان من الأزمة الإقتصادية والمالية المتفاقمة.
وصحيح بأنّ المشكلة لم تعد مسيحية- مسيحية، أو مارونية- مارونية، على ما شدّد المصدر عينه، بل تتعدّاها الى عدم التوافق بين مختلف الطوائف، فإنّ دول الخارج تُحذّر عبر سفرائها في لبنان، من الذهاب الى الفلتان الأمني. ولو لم تتمكّن الأجهزة الأمنية من إلقاء القبض على بعض العصابات المتفلّتة فرط البلد أمنياً منذ زمن. والوضع مرشّح لأن يُصبح أخطر في حال طالت فترة الشغور الرئاسي أكثر. لهذا لا مجال الى الذهاب لانتخاب الرئيس من دون نضوج التوافق بين جميع المكّونات السياسية، بما فيها الكتلتان المسيحيتان الكبريتان في البلد.
وبرأيه، إنّ "لبننة الإستحقاق" حالياً، في ظلّ الفرصة المتاحة، من خلال الحوار الوطني أفضل بكثير من العودة الى اتفاقات خارجية على غرار "اتفاق الدوحة". والدعوة الى "الدوحة 2" لن تحصل كون الدول المعنية بالملف اللبناني لا تُعيره اي أولوية حالياً، ما سيجعلها تتأجّل لأشهر عدّة بعد، كما لأنّ الدعوة الى أي اتفاق آخر، على غرار "اتفاق الدوحة" لن يحمل سوى حلّ مؤقّت، يُطبّق لمرة واحدة فقط، وهذا الأمر ليس المطلوب حالياً.
في الوقت الذي يجد فيه المصدر أنّ البلد لم يعد يحتمل أي تأجيل أو تسويف في انتخاب الرئيس لحلّ الأزمات والمشاكل، سيما وأنّ ثمّة ظاهرة جديدة بدأت تظهر في لبنان، هي حالات الإنتحار لاشخاص في ريع الشباب بسبب الضائقة المالية والإقتصادية والمعيشية، بسبب العوز والفقر. وهذه الحالات لم يشهدها لبنان في تاريخه، حتى خلال سنوات الحرب الـ 15 التي مرّت عليه من السبعينات الى التسعينات. كذلك فإنّ أبواب السفارات مفتوحة للمزيد من هجرة اللبنانيين الى دول الخارج، فيما لم يبقَ من اللبنانيين في البلد سوى مليوني شخص لا أكثر. فهل سيتمّ انتظار هجرة جميع اللبنانيين قبل التوافق على انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة وحلّ أزمات البلاد الواحدة تلو الأخرى؟!