إيفا أبي حيدر - الجمهورية
يوم أقرّ الدولار الجمركي على 15 الف ليرة اتخذ قرار برفع دولار المصارف من 8000 ليرة الى 15 الفاً للمساواة بين الدولار الذي يحتسب للمواطن وذلك الذي يدفع على اساسه. الاول دخل حيّز التنفيذ في كانون الاول 2022 والثاني في شهر شباط الماضي، فهل يرفع الدولار المصرفي الى 45 الفاً على غرار الدولار الجمركي؟ وإلّا كيف يمكن ان يطلب من المواطن ان يدفع ضرائبه بسعر صرف 45 الفاً في حين انّ قدرته على سحب امواله محدودة ودولاره المحجوز في المصارف مُسعّر بـ 15 الفاً؟
مَرّر وزير المالية يوسف الخليل، بطلبٍ من المصرف المركزي وبموافقة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عصر امس الاول، قرار رفع الدولار الجمركي من 15 الف ليرة الى 45 الفاً على «السكت»، عكس المرة الاولى عندما رفعه الى 15 الفا حيث تم التداول به أكثر من عام قبل ان يدخل حيّز التنفيذ في الاول من كانون الاول 2022. هذا واحتمال رفعه مع بداية كل شهر وارد وفق ما تقتضيه الحاجة بالنظر الى سعر الدولار في السوق السوداء، والى حاجة الخزينة الى واردات لتأمين التمويل اللازم للعطاءات والزيادات التي أقرّت والتي ستقر لاحقاً لموظفي القطاع العام. ويطال الدولار الجمركي السلع المستوردة كافة لا سيما منها السيارات، وقطع الغيار، والهواتف الخلوية، والأدوات والمعدات الكهربائية، ويستثنى منه غالبية المواد الغذائية.
وكان رفد الدولار الجمركي لدى إقراره اي منذ نحو الثلاثة اشهر الخزينة بما بين 1500 و1600 مليار ليرة شهرياً، وهو لدى إقراره في كانون الاول كان سعر الصرف في السوق السوداء بنحو 41 الفا وشكّل يومها الدولار الجمركي ما نسبته 37.5% من سعر الدولار في السوق السوداء، أما اليوم ومع ارتفاع الدولار في السوق السوداء الى 90 الفاً بات الدولار الجمركي يشكّل نحو 50% من سعر الدولار الحقيقي، وهي فعلياً لن تؤثر كثيراً على ذوي المداخيل بالدولار الاميركي، علماً أنّ هذه الزيادة لن تلبث ان تتآكل مع استمرار ارتفاع الدولار في السوق السوداء، الا انها بدون شك سيكون لها وَقعها الثقيل على ذوي المداخيل بالليرة اللبنانية والذين يشكلون ما يزيد عن 85 % من المواطنين، بما من شأنه ان يعمّق الفجوة الطبقية بين الافراد والذي ينقسمون ما بين «جماعة الفريش» وبقية اللبنانيين الذين هم بغالبيتهم من موظفي القطاع العام والقوى الامنية والعسكرية.
في هذا السياق، أكد عضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي عدنان رمال لـ»الجمهورية» انّ هذا القرار سيؤدي الى خفض اضافي في القدرة الشرائية للمواطن خصوصا انّ مداخيل الافراد لم تزيد. وتابع: صحيح انّ هذه الزيادة لن تؤثر على من يقبض راتبه بالفريش دولار الا ان هؤلاء لا تتعدى نسبتهم 15 الى 20%، فماذا عن بقية الشعب؟ الواضح ان 80% من اللبنانيين ظلموا بهذا القرار الذي يهدف الى تأمين رواتب واجور القطاع العام. وإذ أكد انّ هذه الزيادة حق لموظفي القطاع العام الذين باتت قدرتهم الشرائية معدومة انما لا يجوز ان نظلم 5 ملايين لبناني من اجل تأمين مداخيل من خلال التضخم الذي سيأكل هذه الزيادة ويلتهم القدرة الشرائية مجدداً، فالدولة تعطي بيد وتأخذ من الموظف ومن كل الشعب باليد الاخرى من دون اي رؤية اقتصادية او استراتيجية الى الامام، والمؤسف انّ الدولة لا تزال تسير باتجاه استسهال فرض الضرائب، فنحن لم ننس بعد كيف انّ موزانة 2017 فرضت 17 بنداً ضريبياً، والنتيجة ما وصلنا اليه اليوم.
زيادة بين 5 و15%
وتوقّع رمال ان يؤدي قرار رفع الدولار الجمركي الى زيادة في اسعار السلع المستوردة تتراوح ما بين 5 و15%، مُتسائلاً كيف يمكن دفع الدولار الجمركي وفواتير الكهرباء والخلوي وفق سعر صيرفة او 45 الفاً للدولار بينما يبقى دولار المصارف بـ 15 الفاً؟ واعتبر انّ الدولار الجمركي هو بمثابة «دعسة ناقصة في التوقيت الخاطئ» لأن التضخم سيقضي مجدداً على القدرة الشرائية للمواطن، ويصعب بعدها الاستدراك والعودة بالدولار الى سقوف معقولة. وأكد ان كل هذه القرارات التي تتخذ تأخذنا الى أزمة طويلة ومفتوحة.
وحذّر رمال من انه في كل مرة تعمد فيها الدولة الى رفع الدولار الجمركي يزيد في المقابل التهريب ويتراجع الاستهلاك ويضيق الخناق أكثر على القطاع الخاص الذي لا يتأخر عن دفع ضرائبه وجمركه، والذي بات لا يشكل اليوم أكثر من 30% في مقابل 70% سوق مكتوم اي غير شرعي، الى جانب تكاثر ظاهرة التجار غير اللبنانيين الذين ينافسون اللبناني ويزاحمونه على رأسماله.
تقييم دولار الـ 15 ألفاً
وعن تقييمه لتجربة الدولار الجمركي خلال الاشهر الثلاثة الماضية، وعن تداعياتها على السوق، يقول رمال: في الشهرين الاوّلين من العام الحالي كانت السوق صعبة للغاية، صحيح ان تأثير رفع الدولار الجمركي الى 15 الفاً تبخّر أمام ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء ولكن في المقابل لم ترتفع القدرة الشرائية بالقدر نفسه الذي ارتفعت فيه الضرائب. تابع: خلال الفترة الاولى من تطبيق الدولار الجمركي ارتفعت الاسعار قليلاً، الا انها لم تلبث ان تراجعت مع ارتفاع الدولار في السوق السوداء وتراجع كلفة الشحن العالمية من 15 و16 ألف دولار للمستوعب من الصين الى ما بين 3000 و4000 دولار، فانخفضت اسعار الكثير من السلع. على سبيل المثال تراجَع سعر التلفاز من 500 دولار الى 350 دولاراً.
ورأى انّ انعكاس سعر الدولار الجمركي الجديد لن يظهر بسرعة لا سيما على اسعار السلع الاستهلاكية، لأنّ السوق مُشبعة بالبضاعة وحركة البيع شبه معدومة منذ مطلع العام.