الديار
الحلول «الترقيعية» لم تعد تجدي نفعا، بدليل عجز حكومة تصريف الاعمال عن ارضاء اي من القطاعات في ظل انهيار العملة الوطنية المستمر مقابل الدولار الذي يواصل التحليق ضاربا بعرض الحائط اي محاولات لمنح العاملين في القطاع العام «ابر مورفين» تساعدهم على تخفيف الالم الاقتصادي والاجتماعي المتفاقم. امنيا، وبعد ساعات على وأد الفتنة التي اطلت «برأسها» من عكار، اثر كشف فرع المعلومات عن ملابسات خطف وقتل امام البلدة الشيخ احمد شعيب الرفاعي، داهمت قوة من استخبارات الجيش مبنى مدرسة الأندلس التي يملكها رئيس بلدية القرقف يحيى الرفاعي المتهم بالجريمة، وعثرت على كمية كبيرة من الأسلحة خزّنت في الطبقة السفلية لمبنى المدرسة. هذه المداهمة اعادت تسليط الضوء على وجود ثغر امنية في المناطق النائية نسبيا جرى اهمال التعامل معها منذ فترة بفعل تدخلات بعض القوى السياسية، لكنها باتت اليوم تحت المجهر وتتطلب عناية خاصة لانها بحسب مصادر امنية بارزة «قنبلة» موقوتة تهدد السلم الاهلي في بلد تشعر بعض مناطقه بانها متروكة لمصيرها، وهو امر تم تحذير رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي من تداعياته اذا ما تم وضع اي «فيتوات» امام القوى الامنية لاستكمال عملها على نطاق اكثر اتساعا بما يشمل ضرب بعض المحميات الامنية شمالا. وقد خرج حزب الله عن صمته في هذه القضية عبر تغريدة لنائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم قال فيها «احذروا أبواق الفتنة المذهبية والطائفية، هم أنفسهم دعاة التحريض والفوضى، وخدام المشروع الأميركي - الإسرائيلي مشدّداً على أنّ المروّجين للفتنة يائسون وفاشلون»...
سياسيا، لا شيء يتحرك على الصعيد الرئاسي في ظل احتقان كبير في المنطقة يهدد بانفجار غير مسبوق في المناطق الفلسطينية المحتلة التي تشغل بال واشنطن التي تحاول منعه دون جدوى، وسط مخاوف جدية من سياسة الحكومة الاسرائيلية للهروب الى «الامام» عبر افتعال حرب في المنطقة. هذا الانشغال الاقليمي والدولي «بحريق» فلسطين الذي قد «يقلب الطاولة» على الجميع، يضاف اليه الحرب الروسية على اوكرانيا، دفع السفيرة الاميركية دوروثي شيا بالامس الى التحرك، بايعاز من وزارة الخارجية الاميركية، فقامت بزيارة المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم قبل ساعات من حسم مصيره، المعلق على قرار سياسي لا قانوني، ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، وكذلك بكركي. ووفقا لمعلومات» الديار»، ثمة تغيير واضح قد طرأ على مقاربة واشنطن للاستحقاق الرئاسي اقله في الشكل بعدما بلغ الغليان حدود الدخول في فوضى قد تخرج عن السيطرة، وقد تظهر ذلك من خلال استفسارات شيا امام جعجع عن اسباب رفض «القوات» للحوار حول الرئاسة الاولى، مبدية خشيتها من حالة الاستعصاء الراهنة على الوضع العام في البلاد، وكان لافتا نصيحتها بضرورة عدم قطع «جسور» الحوار مع رئيس مجلس النواب نبيه بري!
تغيير في السلوك الاميركي؟
هذا المقاربة الاميركية، لا تستغربها مصادر دبلوماسية، اكدت ان ما تريده واشنطن في هذه المرحلة عدم انفلات الامور على الساحة اللبنانية لان الادارة الاميركية لديها انشغالات اكثر اهمية في المنطقة حيث تقترب الامور في الاراضي الفلسطينية المحتلة من ساعة الانفجار، ولا تحتاج في هذه المرحلة الى اي بؤرة متفجرة جديدة. وفي هذا السياق، كشفت عن تقرير من وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن تضمن ملاحظات السفير الأميريكي في «اسرائيل» الى الرئيس الاميركي جو بايدن يحذر من سياسة الحكومة الاسرائيلية، وتخوف التقرير من تصعيد في الميدان، يثير قلق دول في المنطقة كالأردن ومصر والإمارات. واشار الى ان استراتيجية الحفاظ على مجال مناورة مع «إسرائيل» والفلسطينيين غير كافية. «فمفترق الطرق» الذي فيه إسرائيل اليوم، بل والمنطقة كلها أيضاً، يستوجب عملاً استراتيجياً أكثر. بدونه لا يمكن وقف التدهور إذا ما وقع. واشاروا الى انه لا يمكن أن تتهرب الولايات المتحدة من مسؤوليتها، وبالتالي يجب مساعدة حكومة «إسرائيل» كي تساعد نفسها من الوقوع في المحظور؟!
«تنفيس لا حل»
ومن هنا، فان مقاربتها الجديدة في لبنان تقوم على فتح قنوات التواصل حتى لو لم يتم الوصول الى تسوية، لان البلاد باتت تحتاج الى «تنفيسة» تمنعه من الانفجار. ووفقا للمعلومات، فان شيا لم تقدم اي مؤشر واضح حول دعم بلادها لأي مرشح، كما لم تتحدث عن اي «فيتو» على أحد، لكنها تحدثت عن ضرورة ايجاد آلية لفتح قنوات الحوار الداخلي كيلا تبقى الامور في حالة من الشلل، وكان لافتا تاكيدها على ضرورة عدم قطع خطوط التواصل مع الرئيس بري للخروج من الجمود القائم راهنا. لم تحصل السفيرة الاميركية على اي وعد بتغيير «معراب» لمقاربتها الحالية، ولم تقدم اي اجوبة واضحة حيال استفسارات جعجع حول خلفية هذه «الليونة» المستجدة. لكن ما تم استنتاجه ان الاميركيين يتحركون دون خطط واضحة ولم ينسقوا مواقفهم مع الرياض، وجل همهم عدم خروج الامور عن السيطرة. الاجتماع الذي استمر على مدى ساعة و نصف الساعة تطرق بحسب «معراب» الى ملف انتخابات رئاسة الجمهورية حيث أكد جعجع امامها ان المدخل الاساسي لأي اصلاح فعلي وتغيير في اداء الحكم يبدأ من رأس الهرم، أي أن تتبوأ شخصية اصلاحية سيادية نزيهة سدّة الرئاسة لتنعكس ورشة اصلاح متسارعة على المستويات كافة. تجدر الاشارة الى ان شيا زارت بكركي ايضا وكررت خلال لقاء البطريرك بشارة الراعي وجهة نظر بلادها حول اهمية الحوار.
تحذيرات بري
ووفقا لمصادر نيابية، كان اللقاء الاخير بين الرئيس بري والسفيرة الاميركية شفافا جدا حيث طرح سلسلة من الاسئلة حول حقيقة ما تريده الادارة الحالية من الساحة اللبنانية ومدى تشجيعها على دخول البلاد في الفوضى الشاملة. فكان نفي من شيا للامر. ولفت بري الى ان البعض، وخصوصا القوى السياسية المسيحية، ترفض الحوار دون اسباب موجبة وتمارس سياسة التعطيل لكل المؤسسات الدستورية، ولا تقدم اي حلول معقولة على المستوى الرئاسي. وهذا يدفع البلاد نحو المجهول، خصوصا ان الخارج بما فيها واشنطن غير معنية بالعمل بالزخم الكافي لابعاد لبنان عن ساحات المنطقة المتفجرة، محذرا من ان غياب لغة العقل سيعني حكما تسيد العصبيات وانهيار كامل للمؤسسات، وعندئذ «لن تجدوا من تتحدثون معه في الداخل»، قال بري لشيا التي «زعمت» ان بلادها لا تؤيد عدم التواصل وتشجع على الحوار، وليس لديها اي فيتو على احد رئاسيا، عندئذ سألها عن اسم رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، فقالت «لأ احد». طبعا لا تراهن تلك الاوساط كثيرا على هذه «الاستدارة» الاميركية في «كسر» الجمود رئاسيا لانها لا تزال في اطار حراك خجول لا «يغني ولا يثمن عن جوع» الا اذا تحول الى عملية متكاملة تشمل تسوية تنضم اليها السعودية التي لا تزال تملك تاثيرا كبيرا في الكثير من القوى السياسية.
شروط سعودية
لكن الدور السعودي لا يزال غير ايجابي، ولا يمكن ان يساعد في التسوية على الساحة اللبنانية، بدليل شروط الرياض لتطبيع العلاقات مع دمشق. ووفقا للمعلومات، أرسلت السلطات السعودية إلى سوريا شروطها لاستعادة العلاقات الدبلوماسية، وتشمل قائمة المطالب تشديد الرقابة على الحدود لمنع تهريب المخدرات، وبدء حوار مع المعارضة، لكن الاهم يبقى شرط سياسي غير قابل للتنفيذ، وهو تقليص نفوذ إيران الاقتصادي والعسكري في سوريا، وهو ما يرفض النظام السوري النقاش فيه.