رمال جوني - نداء الوطن
«ما تهزّو واقف ع شوار»، هذا حال البلد اليوم. مهزوز، متصدع، يعاني الويلات، ومع ذلك تجد الصمت سمة بارزة. ضدّ من نتحرك؟ سؤال على شفاه الناس في النبطية. من فعل هذا بنا؟ كل ما حولنا مأزوم. الأسعار طارت وأخذت معها حلم المواطن بـ»أكلة» دجاج وخضار وحتى الجبن. كلّ شيء بات لمن استطاع إليه سبيلاً، ومع ذلك يركض الأستاذ خلف مساعدة موعودة، والموظف ينتظر راتباً إضافيّاً لا يكفيه ثمن تنكة بنزين.
هي المرّة الأولى في تاريخ لبنان الذي يدخل في آتون النار الماليّ ولا يصرخ. إنهيار العملة أجّج الشارع قليلاً. أما الجنوب فبقي خارج المشهد، كأنه بألف خير. والبلديات على أحسن ما يرام، تقدم الخدمات الإنمائية كافة. وكأن الدولار لم يهتزّ ويرتفع جنوباً.
مشلولة، عاجزة، معطلة، محاصرة. يحاول موظّفو البلديات وصف حالها من دون جدوى. السمة الأقرب «انتهى زمن البلديات». ما أصابها يسري على كلّ القطاعات، فتحليق الدولار أضاع كل فرص الحلول، حتى التعليم طار. وليس خافياً إن قال البعض: «ولّت أيام المدرسة الرسمية». بعضها قرّر الإنقلاب على قرار الإضراب وفتح أبوابه، بعدما حاز على ثلاث تنكات بنزين في الشهر لكل أستاذ من بعض القوى السياسية. باقي المدارس مقفلة والطلاب ضاع عامهم الدراسي.
ما يطالب به الأساتذة مُحقّ، وما يطالب به الموظّفون محقّ أيضاً، ولكن مع إفلاس الدولة بميزانية لا تصل إلى نصف مليار دولار، من أين ستسدّ هذا العجز وسط سيطرة التضخّم المالي.
مع دخول البلد رسميّاً في حقبة الدولار، وداعاً لليرة اللبنانية. هذا الأمر بات واقعاً، فالدولار هو الحكم. الكلّ يُطالب بدولرة الأسعار رسميّاً ودخلت السوبر ماركت ومعها الملاحم ومحال الدجاج وحتى الخضار عصر الدولار، بانتظار دخول محطات المحروقات أيضاً ليكتمل المشهد، في وقت لا يزال راتب العامل في البلديات ثلاثة ملايين ليرة، لا تساوي عملياً سعر صفيحتي بنزين لا أكثر.
الكل رفع تسعيرة الدولار، كيلو اللحم بـ10 دولارات، والسلع أيضاً. ماذا عن موظفي القطاع؟ هل دخلنا زمن الإنهيار الشامل؟ نعم. كلّ المؤشرات تشير إلى ذلك. إذ يؤكّد الخبير المالي الدكتور أمين صالح «اننا أمام سيناريوات خطيرة جدّاً، أخطرها بيع القطاع العام وكل مرافق الدولة بما فيها الأجهزة الأمنية». ويرى أن «الوضع المالي إنزلق إلى هاوية الخطر، ولا بوادر حلحلة إلا بإعادة تشكيل حكومة انتقالية تعيد تشريع الدولة والأموال المنهوبة».
لا يخفي صالح أنّ «عصر القطاع العام قد انتهى. نحن أمام واقع مأسوي. العمل اليوم هو لتذويب مدخّرات الناس في المنازل، لندخل من بعدها زمن الجوع الذي بات قاب قوسين أو أدنى؟». وهنا يسأل: أين الدولة؟ أين القوى السياسية ممّا يحصل؟ أين الحكومة ومقرراتها العاجلة للحدّ من فلتان الدولار ودخول الوطن في مرحلة الإنهيار الشامل والفوضى؟ للأسف يتفرجون.
ثمة سيناريوات أخطر تقلق صالح، وهي «تدحرج البلد نحو الفوضى المسلّحة ما لم يتمّ ضبط السوق المالي حيث الدولار فِلت»، لافتاً إلى أن سقف الدولار قد يصل إلى المليون». وختم قائلاً: «إذا لم يتحرّك الناس نحو حكّام البلد والإطاحة بهم، سندخل في دوامة الفوضى. ويرى أنّ ما حصل أمام المصارف هي «بروفة»، مردفاً انه ضدّ هكذا أفعال، لأنّها تُعطي المصارف حجّة الإقفال».