مارينا عندس - الديار
لا شكّ أنّ سلّم الانهيار سقط رويدًا رويدًا في بلدٍ مشؤومٍ كلبنان، يعيش ولا يزال أصعب أنواع العنف والاستغلال والاحتكار، حيث باتت لقمة العيش مهدّد بالخطر. الموضوع دقّ مسمار الموضة والذوق الرّفيع الذي عرفه المواطن اللبناني أكان في ملبسه أو رائحته أو تزيينه، في بلد تغنّى بثقافته وذوق الرفيع وموضته السّبّاقة.
صحيح أنّ لبنان يعاني ولا يزال من أبسط مشاكله كانقطاع المياه والكهرباء والخبز، إلّا أنّ الموضة هي جزء لا يتجزّأ من شخصيّة معظم اللبنانيين واللبنانيات. فكيف تأثرت الموضة في ظلّ الانهيار المادي الحادّ التي تشهده المنطقة؟ وهل لا يزال "الشّوبينغ" الشّغل الشّاغل للبعض؟
عندما نستخفّ بموضوعٍ يُعتبر مهمًا للبعض، في هذه الحالة لا يمكننا القول إنّنا نصحّح وضعًا أليمًا مثلًا، أو نحلّ أزمةٍ ما، لكنّنا نكون فقط من يساهم في تخريب الوضع. هذا ما يحصل تمامًا عندما نرى شخصٍا ما، يرتدي ملابس جديدةٍ والدّولار يلامس الـ 80 ألفا. "ديقة عين"؟ حسد؟ أم من أين لهُ هذا؟ وكيف يعيش القسم الأكبر حالة الترتيب والتزيين هذه؟
الموضة وظيفة للبعض..
لطالما كان "الشّوبينغ" روتينا يوميّا أعيشه من أجل المتعة. ولكن، بعد أن أصبح يرافقني في يوميّاتي، اضافة إلى ذلك اهتمامي بالرّياضة وبصحّتي النّفسية والجسديّة، ليكتمل الـ look وأصبح شخصًا مرتّبًا تليق به الصّور على صفحات الانتسغرام، هكذا علّق باتريك على موضوع الموضة مع الدّيار.
وتابع: الموضة تأخذ كلّ وقتي، من ملابس وأحذية وتصفيف شعري وشراء العطور وإلى ما هنالك. شغفي وحماسي يصبّان في شراء الماركات العالمية والبراندات، لكنّ الموضوع اليوم اختلف، لأنّها لم تعد تناسب راتبي الشّهري. فكيف سأعيش من مورد رزقٍ وإعلاناتٍ أن لم أرتّب نفسي وأبقى كما كنتُ عليه في السّابق؟ وهنا ضرورة شرائي الثياب الجميلة والمكثفة بطريقةٍ دائمةٍ.
وأكمل: هوسي في شراء السّاعات والثياب المرتبة وباهظة الثّمن لم تعد تناسب وضعي في لبنان. والخيار الوحيد أمامي هو الذهاب للبالة، كمعظم رفاقي وناسي الذين أصادفهم هناك، حتى ولو البعض خجل من ذلك، لأشتري ما يحلو لي بسعرٍ أقل. طبعًا هنالك الملبوس وهنالك غير الملبوس. ترى الثياب الجديدة ومنها من استعملت ورُدّت إلى الرّف. وهنا حسب تفكير وطلب كل زبون.
البالة مكانٌ يجمع الكبير والصّغير، الفقير والغنيّ. هو ذاك المحلّ الذي يبيع ثيابا واكسسوارات استخدمها أشخاص آخرون ثم أعادوا بيعها أو توزيعها كيف يستخدمونها أشخاص جدد. فهل وجدت الموضة الصديقة؟
للبيئة مكانة لها في لبنان؟ نعم. أنا أرى ذلك. وأرى أيضًا أنّ شراء الملابس من البالة بات أفضل من شراء الثياب من المحلات التجارية العادية والابسة السينييه لأنّ النوعية اختلفت عن الماضي وبدت أسوأ بكثير.
وختم: المشكلة، أنّه ما زالت توجد نظرة دونيّة للبالة بسبب حب المظاهر الاجتماعيّة والمادّية في لبنان. وأول مرّة دخلتُ فيها البالة، كانت عندما سجل الدولار رقمه الـ30 ألف ل. ل. للدولار الواحد وهنا أدركتُ أنّ الوضع بات يزداد سوءًا لكنّني بحاجة إلى الثياب. جميع من رآني بدأ يتكّلم عنّي بالسوء، إلى أن أصبحت موضة البالة منتشرة بين جميع الطّبقات. وفي هذه الحالة، لا يسعنا إلا التأقلم والعيش.
البالة مكان مرغوب للبنانيين...
من أشدّ أنواع الاستغلال الذي نشهده اليوم مع الغلاء الفاحش، هو استغلال الموظّفين في المحلّات الكبرى وتقاضيهم رواتب لا تكفي لشراء قميص واحد من المحلّ. لهذا السّبب، ارتفعت المبيعات وانتعش السّوق في البالة، اكرامًا وتشجيعًا للمحلّات الصّغيرة.
بالإضافة إلى ذلك، ما يشهده لبنان اليوم من كوارث وفراغ رئاسي وتدهور مالي ليس سهلًا أبدًا، هذا طبعًا ما سيغيّر طريقة البعض في العيش. فكيف يستفيد العديد من الزبائن من الحسومات؟
تؤكّد ماريا، صاحبة احد محلّات ثياب في جونية، أنّها تسوّق لمحلّها الصّغير عن طريق نشر فيديوهات خاصّة للمحلّ عبر تيكتوك، ممّا يساعد ذلك في ارتفاع نسبة المبيع. لكن أكثر ما يلفت الشّعب اللبناني اليوم، هو الحسومات لا سيّما الموسميّة كختام شهر شباط، وبعد الأعياد ومع انتهاء فصل الصّيف، لأنّ معظم من يتقاضى راتبه باللبناني، أو حتّى بالفريش يريد أن يدّخر القليل من المال ليستطيع إكمال شهره بكرامة.
وتقول: جزءٌ كبيرٌ من الزبائن، يتردّد في شراء الملابس حتّى ولو عليها حسوماتٍ. الشعب اللبناني في مأزق واللقمة فعلًا مهدّدة. لم تعد تعرف المرأة اللبنانيّة أكان التّرتيب بات حكرًا فقط على الأغنياء، أم أنّها ترتكب خطأ فاضحا إن لم يعد باستطاعتها القيام به "لأنو مش حاسّة بالوضع". التّرتيب والجمال من أهم ميزات المرأة اللبنانية، و"الشّوبينغ" زيارة شهريّة عرفتها العديد من الصبايا وحتّى الشباب. لكنّ اليوم، حتّى في الأعياد، 60 % من الأهالي يرتدون ثيابهم القديمة من الخزانة، علّهم يؤمنون الغاز والحطب والتدفئة للعيال.
أمّا عن الحسومات، فالموضوع لا يخلو من انخفاض نسبة المبيعات حتّى أثناء الـ sale لأنّه وبطبيعة الحال، معظم الملابس، حتّى الدّاخليّة، باتت تباع بالدولار الفريش والأسعار إلى ارتفاع وارتفاع مستمرّ. وإذا كانت الكنزة بـ100 دولار، مع sale 20%، ستبقى الأسعار غير مناسبة في هذا الوضع. أما عرض مع كل قطعة قطعة مجانًا فالموضوع يختلف، لأنّ الزبون يحبّ الهدايا ولو دفع المبلغ نفسه لو كان الحسم على القطعة الواحدة 20%.
وختمت: ربّما البالة الحلّ الأنسب للطبقة الكبرى في لبنان، أي الطبقة الفقيرة طبعًا، لأنّ الأسعار تكون مدروسة أكثر والجودة عالية في آنٍ معًا. البالة اليوم لم تعد عيبًا، ولم نعد نخجل من ذلك لأنّ الأسعار ارتفعت 500%. ومن باستطاعته الوصول إلى بالة، ودفع البنزين وإلى ما هنالك، لا يزال وضعه مرحومًا أمام من يحرم أولاده من الحليب والحفاضات والطّعام."