روسيا اليوم
تساؤل عريض يطرح نفسه باستمرار، لماذا تستطيع الولايات المتحدة طباعة الدولار باستمرار، فيما لا تستطيع أغلب دول العالم فعل ذلك؟
الجواب على مثل هذا السؤال ليس سهلا، وهو حصيلة عملية تاريخية طويلة وعوامل ذاتية نلخصها في التقرير التالي:
قيمة النقود معرضة، مثل أي مورد آخر، للتضخم بفعل الاستهلاك. وإذا لم يرتفع الطلب، ويصبح هذا المورد مرغوبا أكثر فأكثر، فإن قيمته تنخفض.
أوضح مثال على ذلك، أن الناس تشتري القمح في أوقات الأزمات كي تضمن أنها لن تتعرض لخطر المجاعة. وحين يتضاعف الطلب على هذه السلعة الحيوية التموينية، وتتعرض عمليات التموين لمصاعب، يحدث نقص في القمح، ويختفي من الأسواق، وترتفع قيمة ما تبقى منه. ويكون الارتفاع في سعر هذه السلعة الضرورية متناسبا مع حجم الكارثة أو الأزمة.
بالمقابل، في أوقات السلم تتوفر البضائع بكثرة على أرفف المتاجر. تسير عملية سلسلة الإمداد من المنتج إلى المستهلك بطريقة طبيعية، وذلك لأن الناس واثقة من قدرتها على شراء أي سلع تموينية دائما بفضل الاستقرار. ويكون الطلب على القمح في صورة دقيق لصنع الخبز على سبيل المثال منخفضا، وبالتالي سعره أيضا.
نفس الشيء يحدث في الاقتصاد. في أوقات الأزمة يسعى الأفراد والدول إلى الحصول على الأصول الضرورية، والتي يمكن التعامل بها بثقة مع وجود ضمانات بأن قيمتها لن تنخفض. يتمثل ذلك في عملات الدول المتقدمة، وهي الآن، الدولار، ثم اليورو، والين، واليوان، والجنيه الإسترليني.
تتمكن الدول صاحبة الاقتصادات القوية من الصمود أمام الأزمات، في حين تتعرض العملات الوطنية للدول الأخرى إلى الانخفاض بشدة، ويسارع الناس والمستثمرون في الدولة التي تمر بأزمة إلى استبدال العملة الوطنية بعملة أكثر استقرارا.
أثناء الأزمات يزداد الطلب على الدولار، وإذا قامت الولايات المتحدة برفع وتيرة طباعته، فلن تنخفض قيمته بشكل كبير على الرغم من زيادة الطلب.
الدولار حاليا يجري التعامل به فيما نسبته 60٪ من المدفوعات الدولية، كما يستخدم في التداول في العديد من البلدان، وخاصة أثناء فترات عدم الاستقرار والأزمات والحروب.
حين يأمر الرئيس الأميركي بطباعة الدولارات، يجري إرسالها لتمويل الاقتصاد الأمريكي، ويتم استخدام هذه العملة في جميع أنحاء العالم. ذلك يعني أن التضخم، يتم توزيعه بدرجة متساوية على جميع حاملي الدولار، وحتى إذا تمت طباعة تريليونات من الدولارات خلال الأزمة، فلن يكون له أي تأثير تقريبا على سعر الصرف!
من هذا المنطلق، من مصلحة الولايات المتحدة إثارة حالات عدم الاستقرار خارج حدودها، كي يقوم أصحاب الثروات الكبيرة من البلدان النامية بتهريب الأموال ونقلها إلى بلدان "مستقرة ومتقدمة"، وفي الأساس إلى الولايات المتحدة وأوروبا.
أميركا تقرض نفسها!
للولايات المتحدة بحكم الوضع القائم وآلياته التي تدار من واشنطن صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، ويعتمد الوضع في جميع أنحاء الارض على مدى رفاهيتها.
في المقابل، تضاعف الدين القومي للولايات المتحدة ثلاث مرات في السنوات العشر الماضية، وارتفع من 8 إلى 24 تريليون دولار، ولذلك يعيش الاقتصاد الأميركي وينمو على الأموال المقترضة، بما في ذلك الأموال الأجنبية. كما أن ربع هذا الدين فقط هو سندات حكومية تشتريها دول أخرى، وما تبقى ديون داخلية، وقسم كبير منها افتراضي.
للتوضيح، حين تحتاج وزارة الخزانة الأميركية إلى أموال إضافية لتغطية عجز الميزانية الضخم، فإنها تصدر سندات حكومية. لكن الطلب على هذه السندات محدود حتى على نطاق عالمي. لذلك، يتم استرداد بعض الأوراق المالية من قبل نظام الاحتياطي الفيدرالي، الذي يقوم بدور المصرف المركزي، وينهمك بنك الاحتياطي الفيدرالي في طباعة الدولار. وهكذا تقوم إحدى الإدارات الرسمية الأميركية بإقراض الأخرى!
نظام الاحتياطي الفيدرالي لم يكتف خلال الأزمات الاقتصادية الداخلية بشراء السندات الحكومية بل وسندات الشركات من البنوك المتضعضعة. ومرت العملية من دون أن يحدث أي تضخم كبير.
وذهب "البنك المركزي الأميركي" لاحقا أبعد من ذلك. حيث قام نظام الاحتياطي الفيدرالي بشراء الأوراق المالية للشركات الكبيرة. أي أن الدولة أصبحت دائنة وفي نفس الوقت صاحبة أعمال تجارية.
خبراء ماليون يقولون إن مثل هذه الإجراءات تساعد في إنقاذ الموقف الآن، لكن من الصعب جدا التنبؤ بما قد ينجم عن ذلك في المستقبل. أي أن هذه الجرعة التي يمكن تشبيهها بالمضادات الحيوية يمكن أن تشفي، وهي قد تقتل! وهذا المصير سيطال الاقتصاد العالمي بأسره.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا