الإعلامي د. كريستيان أوسي
ما أشرت اليه قبل أسبوعين عن تحضير جمعية المصارف دراسة متكاملة علمية عن الوضع المالي والسبل الأنجع لتحقيق الاصلاح والهيكلة المالية للبلاد، تُرجم بشكل جلّي في جلسة اللجنة النيابية للمال والموازنة، وبتنسيق ودعم واضح من المصرف المركزي.
أهمية ما كشفته دراسة الجمعية أنها دلّت على الهوّة الكبيرة بين الارقام التي وضعتها وزارة المال واستندت اليها الحكومة ولازار في تبويب الخطة الانقاذية الاصلاحية، وبين الارقام التي اعتمدتها القوى المصرفية والمصرف المركزي استناداً الى قراءة علمية لحجم الديون مقارنة بسعر الصرف العملي للعملة الوطنية، كما الى قراءة دقيقة للسبل القانونية لإشهار الإفلاس أو لكيفية احتساب حجم الدين ووجوب الاخذ بالاعتبار القيم الحقيقية للرهنيات او لما يمكن استيفاؤه من هذه الديون.
في هذه الدراسة مقاربات ومقارنات بين أبعاد ما ذهبت اليه خطة الانقاذ الاصلاحية للحكومة والخطط التي اعتمدها سوانا من الدول ووجوب اخذ التجارب منها.
ويقول بعض المطّلعين إنّ من أهمّ ما قدّمه المدافعون عن هذه الدراسة استنادهم الى تجارب حية وفي أزمان غير بعيدة نسبياً ...إذ تمّت الإشارة مثلاً الى الأبعاد الخطيرة التي نجمت عن تخلّف روسيا عن سداد جزء من ديونها الداخلية سنة ١٩٩٨، علماً ان خطوة موسكو يومذاك لم تذهب الى الحدّ الذي ذهبت اليه خطة الحكومة اللبنانية بمسح مجمل الديون الداخلية والتمنع عن سدادها، ومع ذلك تراجع الناتج المحلي الاجمالي الروسي نحو ٣٠ ٪، وما كان لروسيا الخروج من هذا النفق المظلم لولا استفادتها من التطور الكبير الذي طرأ على اسعار النفط العالمية سنة ١٩٩٩-٢٠٠٠...
أما في لبنان ومع هذا الواقع التراجعي لاسعار النفط، ومع الأثر السلبيّ عالمياً بسبب كورونا، فما الذي سينتشل لبنان من المخاطر الكبيرة لإسقاط ديونه الداخلية؟
كما كانت أمثلة حيّة اخرى لدول صغيرة مثل لبنان، كحال جامايكا مثلاً التي كان دينها يشكل ١٢٤٪ من الناتج الداخلي سنة ٢٠١٠، فقد تم اعتماد برنامج تبادل شمل ما يقرب من ٦٣،٧٪ من اجمالي الناتج الداخلي و تضمن تخفيضاً في قيم السندات و تمديداً لآجال الاستحقاق ، ليظهر بعد شهر فقط وفر ضريبي بنسبة ٣،٥٪ من الناتج، علماً انه تم استبعاد ١٢،٥٪ من الدين المحسوب على القطاع الرسمي والمصرف المركزي عن هذه العملية. مع الاشارة الى انّ وضعها كان مثل وضع لبنان: غالبية الدين ممسوك من مؤسسات محلية، إلا ان الحكومة هناك هدفت من خطتها تلك الى تفادي زعزعة استقرار السوق المالي.
الدراسة تخوّفت من حجم ما سنصل إليه من ركود اقتصادي ومن ازدياد حجم الافلاسات والعجز عن سداد الضرائب والمستحقات ما سيؤدي الى تراجع خطير في حجم الناتج الداخلي. من هنا، تقول الدراسة، إنّ احتساب الاصول الرسمية مفروض في اي عملية اصلاح هيكلي... والا فأن الفشل سيكون حتمياً.
لننتظر ونرى!