النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس
في كثير من المناسبات الاجتماعية ألتقي بأشخاص أعرفهم وآخرين لا أعرفهم، ومعظهم يبادرني بالحديث عن برنامجي عبر "صوت كل لبنان" مطلقين عليه اسم "ناقوس في خطر"، ودائماً ما كنت أبتسم ولا أعلّق ولا أصحّح، إلى أن وجدتني هذا الأسبوع متجاوزاً الخطر الحقيقي إذ كاد يدهمني الأحد من غير أن أعدّ له جرسه بما يعرّضني إلى التبكيت الذاتي ولوم المستمعين والأصدقاء، فقرّرت أن أخرج من المأزق بالعودة إلى ناقوس الخطر، الذي لم يكفّ عن التنبيه والتحذير، فيما القوم يرتعون في المَنْهَبَة التي نضبت ويبست من غير أن يبالوا أنه فيما لو انهارت الدولة سيكونون مطاردين منبوذين من غير أن يجدوا مكاناً على اليابسة يتيح لهم التنعّم بأرقامهم الفلكية التي سيكون مصيرها كمصير مليارات الدولارات العائدة لحكام الاستبداد التي تبخّرت في الحسابات السرية في البنوك الأجنبية، أو تلك التي وُجدت في مستوعبات القمامة أو التي يُلقى القبض عليها بالعقوبات الكامنة لهم في مفترق الطرقات.
هذه الدولة الثمينة لم تنهر بعد، ولكن أهل السلطات والقوى المتحكّمة بها لا تلقي بالًا، إلى أنّ بقاءها حاجة لهم كما هو حاجة للناس، لأن قيمة قوّتهم مرتبطة بالإمساك بمفاصلها، فاذا تكسّرت المفاصل تحت قبضاتهم الخالية من الشفقة والذكاء، وجدوا أنفسهم قابضين على حطام عظم، حيث تسقط عندئذ الهيبة، ويكسد الخطاب الفخم، وتؤول الاستعراضات بأنظمتها المرصوصة، وهتافاتها العالية إلى فلول عائدة من معركة هزمت نفسها فيها بنفسها، لأنها فقدت البصيرة وأصمَّت الآذان عن نواقيس الخطر.
قرأت يوم الثلاثاء الماضي للصديق الرصين الدكتور داود الصايغ مقالاً في جريدة "النهار"، يحكي فيه كيف أنّ المرحوم الرئيس فؤاد شهاب قام بدور المباشِر وبلّغ بنفسه في مجلس الوزراء دعوى قضائية أقيمت ضد وزير ممتنع عن التبليغ، فارتقى بهذا إلى مواطن من أعلى درجة أي درجة مباشِر يسهر على القيام بواجبه، وإذا كان الشيء بالشيء يذكر، فإنني أرى أن السيدة منى الهراوي ارتقت أيضاً إلى أعلى درجة من المواطنية هي درجة مواطن عادي الذي يقوم بواجبه الوطني والاجتماعي مهما كان الموقع، بمعنى أنه رغم استحضار مفردات الحرب الأهلية، وفتح بعض الشاشات لمراهقين لم يعيشوها ولم يعرفوا ويلاتها لكي يبارزوا بالضغائن وإثارة الأحقاد، ورغم هذه الفوضى الشعبوية والقضائية والسياسية فإنني أرى أنه لم يأتِ يوم كان فيه اللبنانيون واعين كهذه الأيام على الخطر، ومتّحدين بوجهه، بما يدعوني إلى القول أنّ كوّة من النور ستتّسع بمجرّد أن يمتلىء الفراغ الدستوري ويكون لنا رئيس يصون ولا يبدد.
نداء أخير أناشد فيه التثقيف الحزبي أن يبيّن للمحازبين الشباب كيف كاد الوطن يضيع تحت وطأة مفردات وسنابك الصراعات السابقة، كما ألتمس من أجهزة الإعلام أن تفتح لنا فسحة لتبادل التسامح، فكم حمت السماحة من دمار.