أعلن وزير الداخلية والبلديات السابق زياد بارود أنه لا يمكن استيراد أي نظام لامركزي من الخارج كما هو الى لبنان، ولو كان ممتازاً، إذ هو بحاجة لتكييف مع الواقع اللبناني المعقد. وذلك، خلال إطلاق منظمة "المستقلون" السياسية، بالتعاون مع "مؤسسة كونراد آديناور" و"مرصد اللامركزية في جامعة سيدة اللويزة" دراستها الأخيرة حول اللامركزية في لبنان بعنوان: "اللامركزية في السياق السياسي اللبناني المعقّد، نعمة أم نقمة؟".
وردّاً على سؤال "عن أي لامركزية نتحدث اليوم؟"، أجاب بارود: "البعض اليوم يذهب الى يمين اللامركزية، أي التحدث بالفدرالية، وهذا حق، "والفدرالية مش مسبّة"، بل هي نظام حكم في دولة موحدة مثل اللامركزية، لكن مع فوارق، ولا يمكن تخوين هؤلاء الذي يطرحون الفدرالية، بل يجب الاستماع اليهم لمعرفة السبب". واضاف: "الجواب الأبسط برأيي ، أنه منذ العام 1989 حتى اليوم، الاغلاق على اللامركزية دفع بالناس بالقول بأنها لم تعد تريد اللامركزية بل تريد الذهاب أبعد من ذلك، لذلك، نحن أمام هواجس تُطرح لدى البعض، ويجب أن تُعالج عبر الاستماع اليها لا أن يكون الجواب عليها: "اسكتوا، هواجسكم ليست بمكانها".
وأكد بارود خلال الندوة المشتركة مع النائبين رازي الحاج وغادة أيوب، اننا لم نعد بمرحلة البحث والتوثيق، بل يجب ان نكون أصبحنا الآن في مرحلة الدفع لاقرار مشروع اللامركزية الموجود بمجلس النواب منذ العام 2016. وقال: "المادة وعدّة الشغل موجودان والامر بحاجة الى قرار سياسي الذي بدوره بحاجة الى دفع وضغط لاقراره، ليس فقط من المجلس النيابي بل الضغط شعبيا واعلاميا وبما يلزم للدفع نحوه".
وأوضح أن اللامركزية ليست غاية بحّد ذاتها، بل واحدة من وسائل ادارة التنوع، والمشاركة المحلية الديمقراطية الافضل، ويجب استخدامها والعمل عليها كون تعديل النظام لن يكون قريباً وغالباً ما يأتي بالفوضى والدم. وشرح بأنّ اللامركزية بدأت مع الرئيس اميل اده، ومرّت مع الحركة الوطنية وكمال جنبلاط، ولاحقاً مع الكتائب والقوات، وصولاً الى اتفاق الطائف لتكون واحدة من الاصلاحات.
وذكّر بأنّ لامركزية موسعة من دون امكانيات مالية "بلاها"، ولا يمكن الضحك على الناس وإصدار قانون اللامركزية وهو في الحقيقة لا معنى له، بغياب الامكانيات المالية.
وأعطى مثالاً على ذلك، ما يحصل بصلاحيات البلديات الواسعة جدا، لكن تحدّها الامكانيات المالية، قائلاً: "نسبة الانفاق المحلي من اجمالي الانفاق العام بلغ 5% إلى 7%، وهذا معدل منخفض جداً عالميا كون المعدل الوسطي العالمي بلغ 27%، وطموح المشروع الاقتراب الى الـ 20% ما ينقلنا من حالة الى حالة".
ولفت الى ضرورة عدم استحداث ضرائب جديدة بحجة اللامركزية، قائلا: "ضرائبنا في الأصل مرتفعة مقابل الخدمات التي نتلقاها، مثالا على ذلك، ضريبة الدخل التي تبلغ 25 % اليوم، مقابل صفر خدمات". وشرح بأنه في الوقت نفسه، لا يمكن سحب واردات البلديات مقابل تعزيز سلطات لامركزية اوسع منها.
وهنا، شدد على وجوب عدم اعفاء السلطة المركزية من واجباتها. ووافق ايوب بشأن ما قالته عن الانماء المتوازن، معتبراً، ضرورة ابقاء السلطة المركزية لتتحمل مسؤولياتها، ومساهماتها بالمناطق، خصوصاً بسبب الخلل الموجود بين مناطق مقتدرة وأخرى غير مقتدرة. وتحدّث عن صندوق لا مركزي مُنتخب ومستقلّ وعادل اكثر بما خص آليات التوزيع، ويعطي حصة للمناطق غير المقتدرة من دون حرمان المناطق التي تأخذ جباية، بعكس الصندوق البلدي المستقل، الذي يُدار بشكل خاطئ.
أما بالنسبة للكوتا النسائية، اعترف بارود بأنه أساساً كان ضدها، وكان مع الكوتا على مستوى الترشيح لتكافؤ الفرص وفرض ترشيح المرأة، ولاحقاً "هيي وشطارتها". لكن بعد ان لاحظ كمية المعوقات والعقل المتحجر في مجتمعنا، الذي يمنع تقدم المرأة في مواقع عدة، رأى أنه كمرحلة انتقالية، لبنان بحاجة لكوتا مقاعد محجوزة للمرأة.
بدوره، اكد الحاج، أكد ضرورة البحث الجدي عن نموذج جديد لا مركزي، لا يقف عند حدود توسيع صلاحيات المجالس المحلية المنتخبة ادارياً، بل اضفاء طابع اقتصادي تخصصي يفتح للمناطق المحلية مجال التنافس والتكامل في ما بينها واجتذاب الاستثمارات لتصبح تلك المناطق متطورة وعصرية. واضاف: "نموذج نظام لا مركزي فعّال قابل للتطبيق وغير قابل للتعطيل يوفّر سيل الحياة المنتظمة ويؤمن حقوق المواطن وحقه بمستقبل آمن، يجعل من لبنان مع رزمة اصلاحات اخرى على صعيد النقدي والمالي والتحوّل الرقمي، يجعل من لبنان 10452 كلم2 واحة حضارية انمائية متألقة".
أما أيوب، شددت على وجوب طرح المواضيع من دون محرمات أكان بالنسبة للتحدث بالفدرالية أم اللامركزية، لافتة الى أنه لا يمكن الحديث عن لامركزية ادارية من دون لامركزية مالية. وأكدت أنه "يجب التوحد في المجلس النيابي على المواصفات والمعايير لرئيس انقاذي. يجب ان يتحمل الجميع مسؤولية الامور. يجب انتخاب رئيس ينتج عنه سلطة جديدة. اللامركزية يجب ان تحتضن دولة موحدة لديها صلاحيات كبيرة ومتعددة. لا يجب ان تضم محسوبيات و يجب تطبيق رقابة خصوصا بالقضاء وتقسيمها".
إشارة الى أن الندوة، حضرها عدد من المحامين والنقابيين والاعلاميين والمختصين والتلامذة.