حسن هاشم - أنقرة
لا تزال السويد تنتظر الموافقة على انضمامها إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" بعدما كانت تقدّمت مع فنلندا بطلب الإنضمام إلى الحلف العسكري في أيار من العام الماضي وذلك طلباً للحماية من روسيا التي كانت تخوض غمار عمليّتها العسكرية في أوكرانيا.
لكنّ طلب السويد الإنضمام إلى "الناتو" لا يزال في طريقٍ وعرة إذ أنّه يصطدم بمطالب تركيا التي تعدّ أحد أبرز أعضاء الحلف والتي ترى في السويد حاضنة لأنشطة حزب العمّال الكردستاني الذي تصنّفه أنقرة إرهابياً إضافة إلى ناشطين من جماعة "فتح الله غولن" التي تتهمها أنقرة بالوقوف خلف محاولة الإنقلاب العسكري الفاشلة في تمّوز 2016.
ووافقت تركيا على إطلاق عملية انضمام السويد وفنلندا خلال قمة قادة الحلف في العاصمة الإسبانية مدريد في 29 حزيران الماضي بعد ضغوط من أعضاء "الناتو"، لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ذكّر ستوكهولم وهلسنكي آنذاك بالشروط الواجب تحقيقها، ولا سيما أنّ انضمام أي دولة جديدة إلى "الناتو" يحتاج موافقة كلّ الأعضاء.
كريستيرسون: لا يمكن تلبية مطالبهم بالقدر الذي يريدونه
وعلى الرغم من قيام ستوكهولم بتنفيذ عدد من مطالب أنقرة، إلا أنّ أنقرة بدت أنّها ترفع سقف مطالبها وهو ما دفع برئيس الوزراء السويدي، أولف كريستيرسون، إلى القول منذ أيام إنّ "المطالب التي قدمتها تركيا من أجل قبول السويد في "الناتو" لا يمكن تلبيتها بالقدر الذي طالبت به الحكومة التركية"، لافتاً إلى أنّهم (أي الأتراك) "يريدون أشياء لا نستطيع ولا نريد أن نقدمها لهم".
واعتبر كريستيرسون أنّ "القرار يعود الآن إلى تركيا والحكومة السويدية تفعل كل ما في وسعها"، معرباً عن قناعته بأنّ "تركيا ستتخذ قرارًا بشأن التصديق، ولكن لا نعرف متى".
الخطوات السويدية
وفي هذا الصدد، تشير الصحافية السويدية ديما الحلوة، إلى أنّه "كان المفترض أن السويد لبّت جميع مطالب تركيا، حيث تراجعت عن قرار حظر بيع الأسلحة لتركيا، كم أثبتت أن لا شأن لها بالأسلحة السويدية في أيدي "العمال الكردستاني" لأنها مرخصة في الولايات المتحدة وليس في السويد".
وتضيف الحلوة في حديث لـvdlnews أنّ "السويد قامت بخطوة مهمّة في تشرين الثاني الماضي عندما قررت النأي بنفسها عن وحدات "حماية الشعب الكردية" و"حزب الاتحاد الديمقراطي" قبل أيام فقط من لقاء كريستيرسون بأردوغان في أنقرة".
إلا أنّ أنقرة اعتبرت أنّ ستوكهولم لا تقدم ما يكفي بموجب الاتفاقية الثلاثية التي عقدت بين تركيا والسويد وفنلندا، وبحسب الحلوة، فقد جددت أنقرة مطالبتها بتسليم 21 مطلوباً من السويد أغلبيتهم من أنصار جماعة "فتح الله غولن".
وأوضحت أنّ "السويد قامت بترحيل مطلوبَيْن إلى تركيا أحدهما على صلة بحزب العمال الكردستاني، ثم سلمت مواطناً تركياً مطلوباً من أنقرة كان طلب اللجوء إلى السويد لكن المحكمة العليا رفضت طلبه".
تطوّر سلبي في قضية الصحافي كينيس
وذكرت الحلوة بأنّه وخلال زيارة رئيس الوزراء السويدي لأنقرة، دعا أردوغان علنًا إلى تسليم الصحافي التركي بولنت كينيس والمتهّم بالمشاركة في الانقلاب الفاشل عام 2016 وقال إنه "أحد الإرهابيين الذين تريدهم تركيا مقابل التصديق على طلب السويد لحلف شمال الأطلسي".
لكنّ المحكمة العليا السويدية والمدعي العام في البلاد اتفقا على أنه "لا يمكن تسليم كينيس بموجب القانون السويدي حيث يُنظر إليه على أنه يخاطر بالاضطهاد السياسي إذا تم تسليمه إلى السلطات التركية".
من هنا، ترى الحلوة أنّ "تركيا اعتبرت رفض تسليم كينيس بمثابة تطور سلبي للغاية، وشددت على مطالباتها بمزيد من عمليات التسليم"، لافتة إلى أنّ "السويد أكدت أنها تستطيع أن تضمن لتركيا أنه على المدى الطويل ليس لديها أشخاصاً في أراضيها ينخرطون في أنشطة إرهابية تستهدف تركيا".
أردوغان يماطل لما بعد الانتخابات الرئاسية
وترى الصحافية الحلوة أنّ "هذه التطورات من جانب أنقرة، أثارت التكهّنات بأنّ أردوغان يريد تأخير عملية انضمام السويد إلى "الناتو" ويماطل إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية التركية المقررة في حزيران 2023، حيث يكتسب حصار "الناتو" زخمًا في الرأي العام التركي".
وتضيف أنّ هناك نظرية أخرى مفادها أن أردوغان يأمل في الضغط على الولايات المتحدة من أجل شراء طائراتها المقاتلة من طراز F-35، كما لا تزال هناك أنظمة أسلحة ترغب تركيا في شرائها ومن السويد أيضا، وهي طائرة ياس جريبن 39 المقاتلة".
وفيما تستبعد الحلوة أن يقوم البرلمان التركي بالتصديق على طلب انضمام السويد إلى "الناتو" قبل الصيف، إلا أنّها تشير إلى أنّها "لا يمكن استبعاد هذا الاحتمال لأن خلف الستار، لا تزال المفاوضات تمضي قدمًا والضغط من بقية أعضاء "الناتو" على تركيا آخذ في ازدياد".
السويد تتمسّك بمبادئها
وعن قراءتها للموقف السويدي من التطورات الأخيرة، تعتبر الحلوة أنّه "بالنسبة للسويد، من المهم لمصداقيتها أن تثبت تمسكها بالمبادئ، وهذا لا يتعلق فقط بالرأي العام المحلي، ولكن أيضًا كيف ينظر الاتحاد الأوروبي وحلف "الناتو" إلى السويد".
وتضيف أنّه "حتى لو كانت عمليات التسليم إحدى الأدوات التي يمكن للحكومة السويدية استخدامها لاسترضاء تركيا، إلا أن الحكومة لا تستطيع التدخل في قرارات المحكمة العليا التي هي من تحدد رفض أو قبول من يمكن تسليمه لتركيا".
وتشير الحلوة إلى أنّ "الأمر متروك الآن لتركيا لاتخاذ الخطوة التالية، فعضوية "الناتو" أصبحت واحدة من القضايا السياسية الداخلية التركية، ولا يمكن التكهن بجدول زمني محتمل لتحقيق العضوية، لكن السويد تثق في سياسة الباب المفتوح التي يتبعها حلف الناتو".