مارينا عندس - الديار
يعيش اللبنانيون حالة هستيريّة بسبب فوضى الأسعار التي تُرافق الدّولار بارتفاعه بطريقةٍ خياليّةٍ، في وقتٍ انخفضت فيه القدرة الشرائية للمواطنين بصورةٍ دراماتيكيّة. وما يحصل في لبنان، ليس سهلًا أبدًا لأنّ القطاعات كافةً باتت تتصارع للبقاء أكانت تعليميّة، استشفائيّة طبابيّة، بيئيّة، اقتصاديّة، وغيرها التي عجزت اليوم عن البقاء كما كانت عليه في السّابق.
«العجيبة» هي صمود اللبّنانيين في ظل هذا الانهيار المالي والاقتصادي، ربّما لأنّهم يكرّرون دائمًا على لسانهم عبارة « بكرا بتفرج مش رح نضل هيك» علّها الجملة الوحيدة التي تشفي غليلهم وتبقيهم أقوياء في هذه الظّروف الاستثنائيّة الصعبة.
بدايةً، لا شكّ أنّ عوامل كثيرةٍ ساهمت في تدهور قيمة العملة الوطنيّة مقابل ارتفاع سعر الدّولار في السّوق الموازي، لعلّ أبرزها رفع مصرف لبنان الدّعم كليًا عن البنزين، أي توقّفه عن تأمين الدّولارات اللازمة لشرائه وفق سعر منصة صيرفة واضطرار أصحاب المحطات إلى شراء الدولار لتأمين المبالغ المطلوبة، إذًا باتت كلّ المحطّات مجبرة على شراء الدّولار من السّوق. ثانيًا، الزّيادة التي أعطيت إلى موظفي القطاع العام في السّابق، وهي عبارة عن بدل النّقل، والتي رفعت من الكتلة النقديّة من السوق وزادت الطّلب على الدّولار. ثالثًا، زيادة حصّة السحب النقدي باللبناني للشّركات. رابعًا، انتهاء الموسم السّياحي بعدما أدخل معه الدولارات والأموال والأرباح إلى لبنان. وخامسًا ارتفاع طلب التّجّار على الدّولار بهدف تخزين البضائع وتحقيق مكاسب إضافيّة وبيعها لاحقًا بأسعارٍ أعلى. هذه، وغيرها من الأسباب عزّزت قيمة الدّولار الأميركي في بلدٍ، باتت ليرته تتنفّس الصّعداء. فكيف يستقبل المواطن اللبناني عامه الجديد والدّولار يلامس الـ50 ألف ل.ل.؟
تأمين الدّخل معجزة
صدر تقريرٌ في نهاية العام 2022 لاوليفييه دي شوتر يُعنى بمسألة الفقر وحقوق الإنسان في الأمم المتّحدة حول لبنان، يجد أنّ تسعة من كل عشرة أشخاص يعانون من صعوبة ٍفي الحصول على دخل، وما يزيد على ستة أشخاص من كل عشرة، سيغادرون البلد لو استطاعوا ذلك. أيضًا وأيضًا، أسعار المواد الغذائيّة ارتفعت بنسبة 1000% منذ بدء الأزمة الاقتصاديّة وبلغ التّضخّم نسبة 215 % في شباط 2022 وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي.
هذه المسائل، تؤكّد أنّ ما يعيشه المواطن اللبناني اليوم، ليس معقولًا أو سهلًا، وطبعًا هي المرّة الاولى الذي يلامس فيها الدولار ما يُقارب الـ50 ألف ل.ل.
وفي هذا الإطار، يؤّكد الطّالب اللبناني ادمون، أنّه يتابع دراساته العليا لسببٍ واحدٍ، يقولها وهو يضحك:» ليش في شي تاني أعملو؟».
حالة ادمون تُشبه العديد من حالات طلاب لبنانيين، يحاولون تمضية وقتهم في التّعليم لأنّه على أيّة حال، ما من أمورٍ أخرى يمكنهم أن يقوموا بها. ويُكمل: نحن اليوم، فئة الشباب تحديدًا، نعيش حالةٍ من الاكتئاب الجماعي، لأنّ المسوؤليّة الكبرى تقع على عاتقنا ونحنُ من عليه أن يدعم البلد ماديًا ويُنعشه اقتصاديًا ويكرمه ثقافيًا. ولكن ما الجدوى لو كنّا شبابًا مسنّين؟ سرقوا أموالنا وهدروا وقتنا ولم يبق في لبنان سوى الطّفل والعجوز.
ويختُم ادمون: كل ما نريده في هذا البلد، تأمين أدنى متطلّبات الحياة، كالكهرباء والمياه والدواء والوظائف، أو تسهيل طرق الهجرة، لأنّها الهدف الأخير ويا بتصيب يا بتخيب.
وفي حديثها للدّيار، تؤكد الدكتورة في علم النفس مي مارون أنّ ظاهرة التّسوّل ازدادت كثيرًا في الآونة الأخيرة في لبنان، والذي ينقسم إلى 3 أقسام:
التّسوّل المباشر عبر الطرقات وغالبًا ما يكونوا أطفالًا على ابواب المحلات، أو كبارًا عن عمر الـ60 يقومون ببيع الفوط والورد وغيرها. التّسول غير المباشر داخل سيارات التاكسي وفي الشركات والمحلّات. وغالبًا ما يكونوا لبنانيين يتحججون بغلاء المحروقات وتدنّي رواتبهم علّهم ينالون بعض التّبرّعات.
التّسوّل المقنّع أو البطالة المُقنّعة، وهي من فئة ميسوري الحال. كانوا أغنياء قبل أزمة الدّولار وتسكير المصارف اللّبنانيّة. وهمّهم الوحيد اليوم، هو شعورهم بالأمان عن طريق ادّخار أموالهم والتّعرّف على جمعيّات تُعنى بحقوق الإنسان ونيلهم على» كراتين» للإعاشة مدّعيين أنهم سيوزّعون الكراتين على الفقراء. وهذه الفئة نفسها، باتت اليوم تؤمّن الدّواء لعائلاتها عن طريق المستوصفات وليس الصّيدليّات لأنها طبعًا أقلّ تكلفة، وبالتّالي إجراء الفحوصات الطّبية في مستشفياتٍ متواضعةٍ في الضّيع، بعيدًا عن بيروت وتكاليف مستشفياتها الباهظة.
لذلك، نلاحظ أنّ الشّعب اللبناني، بات يتسوّل بشتّى الطّرق، علّه يستفيد من خصوماتٍ أو تبرّعاتٍ ينقذه من الوضع الحالي، وأيضًا حياته تغيّرت لأنّها دخلت حالة جديدة على حياته أجبرته أن يدّخر القليل من المال ويوفّر ويقتصر على نفسه الكثير من الأمور.
الشّوبينغ بات عند الضّرورة، والسّهرات أصبحت تُنظّم في البيوت بدل أن ندفع النفقات الكبيرة في الملاهي الليلية والمطاعم، اللحوم والدجاج لم تعد حاضرة على المائدة إلّا عند المناسبات أو لدى ميسوري الحال، وحتّى المشاوير البعيدة كالذهاب إلى الضّيع لم تعد كالسّابق، نتيجة غلاء البنزين وهذا ما يمكننا ملاحظته أنّ زحمات السّير لم تعد أبدًا كما كان عليه الحال عندما كانت تنكة البنزين بـ25 ألف ل.ل.
واذا تمكن اللبناني من تقطيع هذه المدة باقل الاضرار الممكنة فان العام الحالي سيكون قاسيا اذا استمرت المناكفات السياسية وعدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية .