إبراهيم ناصر الدين - الديار
عندما دعا الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الساسة اللبنانيين للتوافق الداخلي على هوية رئيس الجمهورية المقبل وعدم انتظار الخارج، فلأنه يعرف مسألتين اساسيتين:
- الاولى: انه لا تفاهمات قريبة.
- الثانية: ان هذه المحادثات، وان قيض لها ان تنطلق بجدية بين الاميركيين والايرانيين، او بين طهران والرياض، فان لبنان ليس على جدول الاعمال، لأن الاولويات في مكان آخر.
ومع افتراض ان كل ما سبق قد حصل فعلا وجاء دور الملف اللبناني، سيقول الايرانيون لماذا تتحدثون معنا؟ «اذهبوا واتفقوا مع حزب الله». ولهذا فهو اراد اختصار الطريق وعدم تضييع الوقت والجهد. وقال صراحة «تعالوا لنتحدث ونتحاور، لا شروط مسبقة على اي مرشح ولا «فيتو» ايضا، بل مجرد طلب منطقي وطبيعي، «لا نريد رئيسا يطعن المقاومة»، وهي صفة موجودة في الكثير من الشخصيات المرشحة طبيعيا لمنصب الرئيس، ولهذا تبدو هذه الضمانة معقولة، وليست صعبة التحقق ولا تعجيزية، خصوصا ان حزب الله لم يتبن حتى اللحظة معادلة فرنجية «او لا أحد»، كما حصل سابقا مع الرئيس السابق ميشال عون؟ وهو يقر بالتعادل «السلبي» داخل مجلس النواب، ويتعامل مع الوقائع بموضوعية. فلماذا لا ينطلق الحوار وعندئذ «يبنى على الشيء مقتضاه»؟
الامر يعود لسببين، برأي اوساط سياسية بارزة، الاول: ظن «خصوم» حزب الله انه في موقع ضعف خارجي، ويراهنون على مرحلة يكون فيها اكثر ضعفا، فيحصلون عندئذ على تنازلات اكبر. السبب الثاني: مرتبط بالاول، اي الرهان على ضعف الحزب لكن هذه المرة داخلية، من خلال الرهان على اتساع خلافه مع «التيار الوطني الحر»، وبات النائب جبران باسيل كـ «حصان طروادة» بالنسبة لهؤلاء، وهم يراهنون على رؤيته «القصيرة النظر» في التعامل مع الاستحقاق الرئاسي، لمحاولة «عزل» ارباك حزب الله عبر عزله بعيدا عن اي غطاء من خارج طائفته. وهو «يبدع» اصلا في «العزف» على لحن هؤلاء من خلال تحويل خلافه بالرؤية على استحقاق سياسي مع حليفه الى معركة طائفية بامتياز، مقدما خدمة مجانية «لخصوم» حزب الله. وفي هذا السياق، تلقى باسيل، نصيحة من صديق مشترك مع حزب الله، بضرورة اخراج نفسه من هذا الموقع، وانهاء حالة «التمرد» غير المفهومة، والاستجابة الى الدعوة المفتوحة للحوار مع حليفه، دون شروط مسبقة، لأن اصراره على البدء بالنقاش من نقطة البحث عن اسم بديل لفرنجية، يعني انه مصر على ابقاء الازمة مفتوحة، وسيسمح للآخرين بالاستفادة منها.
مع العلم ان محاولاته الانفتاحية مؤخرا على بعض الاطراف السياسية لم تؤت ثمارها، فلم يعد «ورقة رابحة» لأحد في الداخل، ما دام لم يعد تسويقه من الخارج، وهو امر صعب جدا. ولهذا، فهو يواصل «اللعب» في الوقت الضائع، ويحاول الاستفادة من بعد المسافة عن حزب الله، الذي سيبقى ينتظر عودته غير «المشروطة». مع العلم ان النتائج معروفة مسبقا، لن يجد من «يأويه» خارج هذا التحالف، ولا ملاذ آمن له الا «مظلة» تفاهم مار مخايل.
اما في الشق الخارجي، فيراهن «خصوم» الحزب على وجود تحوّل جدي في السياسة الأميركية تجاه إيران. فبعد سنتين من محاولات فاشلة للعودة إلى الاتفاق النووي من العام 2015، تراجعت ادارة الرئيس جو بايدن خطوات كبيرة الى الوراء، وباتت تقرّ على نحو شبه رسمي بأن اعادة احياء الاتفاق متعذر، وتعتزم في المرحلة المقبلة تشديد الضغط على طهران، يعيد الى الاذهان التصعيد ابان ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب.
والجديد انضمام باريس الى هذه الحملة على خلفية الحرب الاوكرانية، وقد تفجر بالامس ملف خطير بين البلدين يعكس حجم التصعيد المتدحرج، بعدما نشرت مجلة «شارلي ايبدو» الفرنسية الساخرة صورا مسيئة لمؤسس الجمهورية الاسلامية الامام الخامنئي. وتتجه فرنسا الى تفعيل العقوبات التلقائية على طهران. وفي الساعات القليلة الماضية ابلغ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن نظيره «الإسرائيلي» الجديد إيلي كوهين بخطط بلاده لتصعيد الموقف مع الايرانيين. ووفقا للاعلام «الاسرائيلي»، فأن بلينكن أعاد في الحديث الهاتفي تأكيد تصريحات الرئيس بايدن التي جاء فيها أن «الاتفاق النووي مات». وابلغه بأن الإدارة تعتزم إشراك دول أوروبا في تشديد العقوبات على إيران، واتفق معه على تشديد الضغط على طهران وعدم العودة إلى الاتفاق النووي.
طبعا دون نسيان الرهان الغربي على استنزاف ايران من الداخل عبر الرهان على ما يرونه حراكا شعبيا يهدد اسس النظام، ولا يخفون دعمهم المباشر له. ولمن يهمه معرفة اسباب ضرب بعض السياسيين اللبنانيين للمواعيد، من المفيد التذكير ان بلينكن سيصل إلى «إسرائيل» مع نهاية كانون الثاني، بعد زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جاك ساليفان إلى المقررة بعد نحو أسبوعين، وموضوعها الرئيسي كيفية التعامل مع ايران.؟
طبعا هذا المناخ الملبد دوليا واقليميا يقلق السيد نصرالله، لانه يعيد المنطقة الى «مربع» المواجهات المفتوحة التي يحتاج خلالها لبنان الى اعلى درجات الاستقرار، وهو ما يدفعه الى الدعوة للحوار الرئاسي، اما على الضفة الأخرى فخصومه يرون فيها مناسبة للانتظار ريثما تشتد الضغوط على الايرانيين بانتظار تنازلات ليست بتناول اليد راهنا. اي ثمة رهان على الوقت لا أكثر ولا أقل، يشجعهم على ذلك «التريث» السعودي الذين يرون فيه انتظارا لظروف افضل. لكنهم ينتظرون تنازلات لن تأتي ابدا. لماذا؟ لان حزب الله يملك رؤية مختلفة تقوم على قاعدة واضحة لا شك فيها، «لا تنازلات تحت الضغط او التهديد، بل تشدد اكثر عندما تكون المواجهة في ذروتها». اي انه لا يسمح لأحد مهما علاّ شانه ان يقوم بمحاولة «لي ذراعه». وهو اصلا لا يوافق على الاستنتاجات الخاطئة، بان ايران ستكون اكثر ضعفا في المستقبل القريب، ويتهكم على هذه الفكرة التي لا اساس لها من الصحة، ولهذا ما لم تتغير منهجية التفكير لبنانيا، فلا يبدو التلاقي قريبا والانتظار مفتوح على كافة الازمات السيئة.