اكتشف علماء بنية بلازما معقدة وديناميكية تشبه الشبكة في الغلاف الجوي الأوسط للشمس، ما يشير إلى أن الرياح الشمسية، والتدفق المستمر للجسيمات المشحونة من الشمس، تتشكل داخل هذه الشبكة.
ويأتي هذا الاكتشاف من ملاحظات نادرة لمنطقة بعيدة المنال من الشمس ويمهد الطريق لمهمة ناسا المقرر إطلاقها العام المقبل.
وقال دان سيتون، عالم فيزياء الطاقة الشمسية في معهد ساوث ويست للأبحاث في كولورادو، وأحد مؤلفي الدراسة، في بيان: "كانت النتائج مثيرة للغاية. لأول مرة، لدينا ملاحظات عالية الجودة توحد تماما ملاحظاتنا للشمس والغلاف الشمسي كنظام واحد".
وتسمى الطبقة الخارجية من الغلاف الجوي للشمس بالإكليل (أو الهالة)، وعادة ما تكون مرئية فقط للإنسان أثناء الكسوف الكلي للشمس، عندما يحجب القمر معظم ضوء الشمس.
والهالة الوسطى، التي تقع على ارتفاع 650 ألف ميل (مليون كم) فوق سطح الشمس، كانت المنطقة الأقل رصدا في الغلاف الجوي الشمسي، ويرجع ذلك جزئيا إلى عدم وجود ملاحظات لإكليل الشمس (هالة الشمس) على ارتفاعات تقل عن 1.3 مليون ميل (2 مليون كم).
وفي أغسطس 2021، أعلن العلماء عن عمليات رصد هي الأولى من نوعها للهالة الوسطى في أطوال موجات فوق بنفسجية شديدة. وباستخدام أدوات متطورة ذات مجالات رؤية ممتدة، وجد العلماء أن هياكل الرياح الشمسية تنشأ في الهالة الوسطى. وقدم هذا أول نظرة ثاقبة شاملة لظهور الرياح الشمسية - لمحة عن فهم ظاهرة مهمة تؤثر على كل كوكب في النظام الشمسي.
والرياح الشمسية هي أحد الأمثلة على ما يسميه العلماء بالطقس الفضائي، وهي مجموعة من الطرق التي يمكن أن تؤثر بها الشمس وانفجاراتها على الأرض.
ويمكن للطقس الفضائي أن يدمر المعدات الإلكترونية، ويضعف الاتصالات اللاسلكية، ويضيف ضوضاء لاستقبال الهاتف الخلوي ويقضي على شبكات الكهرباء. ومع ذلك، لا يفهم العلماء الآليات الدقيقة التي تقذف الرياح الشمسية والطقس الفضائي الآخر، ما يجعل التنبؤ بهذه الأحداث شبه مستحيل.
والآن، كشفت الملاحظات الجديدة، إلى جانب البيانات من مجسات الفضاء الإضافية ونماذج الكمبيوتر، عن شبكة بلازما معقدة في الهالة الوسطى.
وقام فريق دولي من العلماء بتحليل البيانات من حملة المراقبة التي استمرت لمدة شهر باستخدام التصوير فوق البنفسجي الشمسي (SUVI) على القمر الصناعي GOES-17 للطقس التابع للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA). والتقط مجال الرؤية الممتد للقمر الصناعي صورا ليس فقط لمركز الشمس ولكن أيضا لجوانبها، ما يوفر لمحة غير عادية عن بنية هذه المنطقة وتطورها.
وقال سيتون في بيان: "أتيحت لنا فرصة نادرة لاستخدام أداة بطريقة غير عادية لمراقبة منطقة لم يتم استكشافها بالفعل. لم نكن نعرف حتى ما إذا كان سينجح، لكننا عرفنا أنه إذا نجح، فسنقوم باكتشافات مهمة".
وباستخدام هذه البيانات، تتبع الفريق زوجا من الثقوب الإكليلية - بقع الشمس التي تظهر مظلمة وتميز مكان فتح المجال المغناطيسي للشمس للفضاء وطرد المواد - أثناء دورانها عبر القرص الشمسي.
وعندما ظهرت الثقوب الإكليلية عند الحواف الشرقية والغربية للشمس، اكتشف العلماء أن الهالة الوسطى عبارة عن شبكة إكليلية شديدة التنظيم تسمى S-web.
وتتكون هذه الشبكة المعقدة من هياكل بلازما ممغنطة تتفاعل باستمرار وتعيد الاتصال. ورأى العلماء أن هذه الآلية تلعب دورا في إثارة تيارات الرياح الشمسية فوق الشبكة الإكليلية.
ويمكن أن تكون نتائج هذه الدراسة مفيدة لبعثة ناسا التي تستهدف الإطلاق في عام 2023، مقياس القطب لتوحيد كورونا والغلاف الشمسي (PUNCH). وستستخدم هذه المهمة التي تستغرق عامين التصوير ثلاثي الأبعاد لالتقاط الهالة الخارجية للشمس ومنطقة النظام الشمسي الأقرب إليها، بهدف فهم أفضل لكيفية توليد الإكليل للرياح الشمسية.
وأوضح سيتون: "الآن بعد أن أصبح بإمكاننا تصوير الهالة الوسطى للشمس، يمكننا ربط ما تراه مهمة ناسا PUNCH، بأصوله والحصول على رؤية أكثر اكتمالا لكيفية تفاعل الرياح الشمسية مع بقية النظام الشمسي. وقبل هذه الملاحظات، كان عدد قليل جدا من الناس يعتقدون أنه يمكن مراقبة الهالة الوسطى لهذه المسافات في الأشعة فوق البنفسجية. وفتحت هذه الدراسات نهجا جديدا بالكامل لرصد الهالة على نطاق واسع".