النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس
أبدأ بتحية لسماحة الشيخ محمد إمام مفتي طرابلس في الشمال الرجل التقي النقي الورع الطاهر.
وأثنّي على جري التقليد، بالتهنئة بعام سعيد، فعند كل تقويم جديد يفزع الناس إلى اللياذ بحلم السعادة والأمل، طلبًا لتقويم اعوجاج وتصحيح مسار يفضي إلى أحوالٍ فضلى.
وعلى هذا الحلم سهر الناس أمس، وتبادلوا القبلات والتمنيات واستبشروا بالخير رغم تواريه عنا طوال سنين عجاف.
وإنني لَعلى ثقة بأن المستبشرين لا يبحثون عن معجزة، إنما عن ظرف أفضل يقيل الدولة من عثراتها ويهدم جدار اليأس الذي بناه العميان والبرصان والعرجان، ذلك أنه لو كان لأهل السياسة حلومٌ بصيرة وأحلامٌ منيرة لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه. ومهما يكن منهم، فلن يستطيعوا أن يحرمونا من أحلامنا.
طوال خمسة وعشرين عامًا من عز سطوة دولة التفريق العنصري في جنوب أفريقيا، حلَم نيلسون مانديلا في زنزانته بأنه سيكون رمز سقوط ذاك النظام المتوحش، مستعينًا فقط بصموده وسلميته وتسامحه. ويُحكى أن سجّانه كان يمنع عنه الماء قائلًا: "اشرب من بولك"، وبعد أن صار رئيسًا للجمهورية دخل أحد المطاعم ووجد السجان ذاته جالسًا ناحيةً، فتقدّم منه مانديلا وسلّم عليه بمودة ودعاه إلى طاولته لمشاركته الطعام.
وعندما كانت العنصرية في الولايات الجنوبية من أميركا تلبس لبوسًا وحشيًّا، ظهر في أتلانتا بولاية جورجيا القس مارتن لوثر كينغ الحائز عام 1964 جائزة نوبل للسلام، واستعمل القوة العزلاء في مواجهة الغرائز المحمية من السلطة، وذهب في 18 آب من العام 1963 إلى نصب لنكولن التذكاري وخطب بأسلوب يماثل المواعظ المعمدانية وقال: "لدي حلم أنه في يوم ما سيستطيع أبناء العبيد السابقين الجلوس مع أبناء أسياد العبيد السابقين على منضدة الإخاء... لدي حلم أنْ في يوم ما سيعيش أطفالي الأربع بين أمة لا يُحْكَمُ على الفرد فيها من خلال لون بشرته".
وحين أطلق المتعصّبون عليه النار في نيسان من العام 1968 مات الحالم ولم يمت الحلم، ذلك أنه بعد مقولة: "البيت يا زنجي أبيض"، وقف في البيت الأبيض زنجي من أصل كيني لأبٍ مسلم اسمه باراك أوباما وحلف اليمين رئيسًا للولايات المتحدة الأميركية، فيما كان قس آخر زنجي أيضًا يقف في زواية من المكان، وهو يذرف الدموع فرحاً بتحقق حلم مارتن لوثر كينغ.
كذلك ما زالت أجيال الفلسطينيين تحلُم رغم تفاقم العنصرية الصهيونية، وسيأتي يوم يقف شخص نعرف صفاته ولا نعرف هويّته يحلف اليمين في القدس رئيسًا لجمهورية فلسطين.
بعد هذا، أيها اللبنانيون هل يحق لنا أن نخرج من الحلم؟ اعذروني إذا نقلت لكم بعض ما تهيّأ لي في المنام، فإنني بعد الدعوات المتكررة المطالبة بالاستقلال المالي والإداري والكهربائي، وبعد تعطُّلِ الضوءِ عقودًا بانتظار محطة توليد مسيحية في البترون توازي الشيعية في الزهراني والسنية في دير عمار، رأيت فيما يرى النائم رهطًا من رؤساء الطوائف يؤلّفون مذهبًا كهربائيًّا موحّدًا ينتمي إليه اللبنانيون المستنيرون بعظاتهم ويعلنون بملء الإيمان: هذه كهرباء للبنان ممولة من الأوقاف المسيحية والإسلامية لا تفرّق بين عين وعين وبين قلب وقلب، "فالله نور السموات والأرض"، والوقف جهة للبر وللخير، وهل هناك أبرّ من دحر الظلمات والظلم، واستيلاد الضوء من أفعال الإيمان.
ربما أملى على جفنيَّ هذا الحلمَ، أنني آمنت من تجربة ملموسة بأن الدولة تتّحد بمصالحها وأنّ شعة الهلال هالة الصليب، وقد ينبث منهما رئيس هلالي صليب العود فصيح النفس والرؤى، فهل يظنّون بعد ذلك أنهم قادرون على أن يطفئوا نور الله بأفواههم؟
لم يأتني حلمي هذا من فراغ، بل من ملاحظة أن الفحيح الطائفي يخرج من حناجر الساسة لا من حناجر رجال الدين، ورغم هذا فربما كان حلمًا أقرب من الخيال أكثر مما ينبغي، ولكنني وجدت فيما يقوم به البنك الفاتيكاني من إنجازات بإشراف قداسة البابا وما فعلته الأوقاف بإنشاء الجامعات والمعاهد والمستشفيات، ما يشجّع على ركوب هذه الموجة التي ثبت الثقة وتهزم المزايدة.
أعزائي الاصدقاء..
إن كانت أحلامي مضحكة شيئًا ما فأنا مستعد لسحبها من التداول، لكنني أتوسل إليكم أن لا تكفّوا عن الأحلام...