كيف يؤثر تلوث المياه على صحتنا الجنسية والإنجابية؟
كيف يؤثر تلوث المياه على صحتنا الجنسية والإنجابية؟

أخبار البلد - Friday, December 30, 2022 5:54:00 PM

علي عواضة

لا تزال مشكلة التلوث الحاصلة في نهر الليطاني تتفاقم نتيجة تدفق كميات هائلة من مياه الصرف الصحي الغير معالج مباشرة إلى مجرى النهر وبحيرة القرعون. أمراض عديدة تتسببها تلك الملوثات الصناعية والطبية تتسبب تؤدي إلى انتشار الأمراض والأوبئة في المجتمعات المحيطة بالنهر، والمزروعات المروية من تلك المياه.

كثيرة هي الأمراض التي بدأت تظهر في السنوات الأخيرة، مع ارتفاع الاصابة بالسرطان بالمناطق المحيطة بالنهر، فلا تقتصر الأمراض على الجيل الحالي بل تنتقل عبر الجينات إلى الأجيال القادمة، لتتنوع تلك الأمراض بين الجلدية والمعوية وصولاً إلى الجنسية.

تأثير مباشر على صحتنا الانجابية

يؤكد الدكتور فيصل القاق المختص بالصحة الجنسية أن جميع المولوثات الصناعية تؤثر بشكل مباشر على الصحة الانجابية والجنسية، خصوصاً على الأجنة والنساء الحوامل واللواتي يتعرضن بشكل مباشر لهذه الملوثات، فإلى الجانب التشوهات الخلقية والبنوية، هناك مشاكل في سلامة اكتمال ونمو الأجنة، بينما عند الرجال فإن جميع الدراسات أكدت تأثير تلك الملوثات على عدد الحيونات المنوية وتؤثر على قدرة حركة تلك الحيونات المنوية ومستوى التستيرون مما يؤدي إلى ضعف القدرة الانجابية كما أشارت بعض الدرسات إلى تسبب تلك الملوثات إلى اصابة الرجال بسرطان الخصية.

وأكد الدكتور القاق إلى أن المشاكل البيئية وارتفاع نسب التلوث ستؤثر بشكل مباشر على تدني الخصوبة عند الرجال مقارنة مع العقود السابقة، معتبراً أن مشكلة الخصوبة في الشرق الأوسط هي الأعلى على مستوى العالم. وبالانتقال إلى النساء أشار الدكتور القاق إلى تدني القدرة الاخصابية من حيث ضعف انتاج البويضات، كما تبين بحسب الدراسات، إلى اضطراب بالهرمونات النسائية ما ينعكس على اضطرابات بالدورة الشهرية ما يعني تدني بمستوى الخصوبة كما تتسبب تلك الملوثات بتسبب تكيسات دموية على المبيض والرحم، وهي التي توصف من أسوأ الحالات المرضية.

وأضاف أن بعض الملوثات تزيد من ارتفاع الهرمون النسائي الاستروجين مما يزيد من معدلات الاصابة بسرطان الثدي، مشيراً إلى أن الملوثات تؤثر بشكل مباشر على الأجنة صغار الحجم، إضافة إلى طلق مبكر أو الاجهاض المبكر بسبب تلك الملوثات، مؤكداً أن لبنان يعيش في قلب التلوث مما يؤثر ليس فقط على الجيل الحالي بل على الأجيال القادمة بسبب الأمراض التناسلية.

ملوثات بحجم 18 ألف مسبح أولمبي!

بدوره يكشف البروفيسور في العلوم الجرثومية في جامعة جورجيا الأميركية عصمت قاسم أن حوالي 47 مليون متر مكعب من المياه المبتذلة غير المعالجة تدخل إلى نهر الليطاني ما يعادل 18 ألف مسبح أولمبي، تحتوي على جراثيم وبكتيريا وطفيليات، إضافة إلى المواد الكيماوية والمصانع والمزارع والمستشفيات ما يؤثر على الصحة بطريقة مباشرة بأشكال متعددة من الجهاز العصبي والهضمي والجلدي والجنسي، وهو ما يفسر ارتفاع معدلات الاصابة بالسرطان في المناطق المتسفيدة مباشرة من نهر الليطاني.

أما من الناحية البيلوجية، فالجراثيم الموجودة في المياه وإذا ما تم تناول المياه مباشرة دون أي معالجة من النهر قد تتعرض السيدة الحامل إلى الاجهاض مباشرة، واشهر تلك البكتيريا هي الليستيريا والتي تنتقل عبر الطعام والمياه المبتذلة. كما يمكن للجراثيم الموجودة في المياه التسبب بالتهابات في الدماء تؤثر على الإنجاب والقدرة الجنسية بشكل عام للرجال والنساء.

ومن البكتيريا الموجودة في المياه الملوثة في لبنان ونهر الليطاني هي العطيفية  campylobacter وهي تتسبب بتأخير النمو عن الأطفال، وهي من البكتيريا المؤثرة مباشرة على صحتنا الجنسية وتنتقل عبر المياه المبتذلة غير المعالجة والتي بالتطبع تنمو في الأنهار اللبنانية.

أمراض لا تقتصر على الجيل الحالي

وأضاف قاسم حول المزروعات المروية من المياه الملوثة فإن الجراثيم المنتشرة تنتقل مباشرة إلى المزروعات والتي تؤثر على الجينات للرجال والنساء، ولكن في ظل غياب الدراسات المعمقة فإن اثبات تلك العلاقة وربطها مباشرة بتأثيرها على الصحة الجنسية والانجابية والجيل الثاني تعتبر صعبة في الفترة الحالية، ولكن مع الكم الهائل من الملوثات وتقارير المصلحة الوطنية لنهر الليطاني والتي تؤكد عدم سلامة مياه الشفة وعدم صلاحيتها للاستعمال المنزلي في عدد من المناطق الواقعة في الحوض الاعلى والتي تتغذى من نبع شمسين، فإن عشرات الآلاف معرضين لمخاطر عديدة لا تنتهي عند الجيل الحالي بل تنتقل إلى الأجيال القادمة.

وبحسب دراسات قام بها مع الجامعة الأميركية في بيروت كشفت أن 72% من عينات الأنهر الـ14 غير صالحة حتى للري فكيف الأمر بالنسبة للشرب؟ كما أظهرت أن 35% من مياه الأنهر في لبنان غير صالحة للسباحة، كما تبين وجود بكتيريا البرازية والايشليا كولاي وهي جميعها بكتيريا تؤثر على الصحة العامة وتتسبب بأمراض مسرطنة مختلفة.

ومع اختلاف انواع الملوثات واهتراء البنى التحتية للصرف فإن الأمراض المنتشرة وتأثيرها على صحتنا سترتفع بشكل ملحوظ في الفترة المقبلة خصوصاً أن حوالي 92 % من مياه الصرف الصحي لا تعالج في لبنان وترمى مباشرة في النهر أو البحر، أما الثمانية بالمئة المتبقية فلا تعالج بشكل صحيح وكامل. وهو ما يفسر ارتفاع الاصابات بجراثيم مختلفة ومتنوعة في مناطق مختلفة من الشمال حتى الجنوب، واصفاً الوضع بالتعيس جداً والذي سيتسبب بأمراض جديدة.

ووصف بأن تلوث المياه هي من الأسباب الرئيسية للأمراض على أنواعها خصوصاً وجود مادة الرصاص في المزروعات والتي تؤثر على نمو الأطفال والجينات، وفي حال عدم وجود معالجة سريعة فإن لبنان مقبل على ظهور أمراض وجراثيم اكتسبت مناعة للأدوية.

مشاكل متفاقمة

من جانبه أشار المدير العام للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية  أن المشكلة المتفاقمة الناتجة عن تدفق مياه الصرف الصحي المستمر من 69 بلدة في البقاع الشمالي والبقاع الاوسط والبقاع الغربي إلى نهر الليطاني وبحيرة القرعون فإن الحجم التقريبي لكميات الصرف الصحي في النهر: بالاستناد الى المعطيات والأرقام والإحصاءات المتداولة عن عدد السكان في حوض الليطاني حوالي 50 مليون م3 سنويا تصب بمعظمها في النهر مباشرة أو تتسرب الى المياه الجوفية وذلك في ظل غياب أو تعطل محطات التكرير.

اختلاف مصادر التلوث

تختلف مصادر التلوث بسبب اهتراء الشبكة حيناً أو تلوث النبع أو البئر أو عدم كفاءة المعالجة بالاضافة إلى تحويل مياه الصرف الصحي الغير معالجة إلى أراضٍ مكشوفة تصل إلى مجرى النهر و/أو المياه الجوفية. وتشير المعطيات الى أن عدد المشتركين في المحطات شمسين يبلغ 7000 مشترك تقريبا ويقدر عدد المستفيدين من هذه الشبكة حوالي 50000 نسمة.

ـ كمية الصرف الصحي من المستشفيات غير المعالج: بعد المسح الميداني التي قامت به المصلحة الوطنية لنهر الليطاني على المستشفيات في الحوض الأعلى والتي بلغ عددها ١٨ مؤسسة صحية حكومية وخاصة تصرف النفايات الصحية السائلة في النهر وشبكات الصرف الصحي  ما يوازي مليون متر مكعب سنويا.

ـ كمية النفايات الصلبة في منطقة الحوض الأعلى المرمية عشوائياً من قبل المخيمات: إن النفايات الناتجة عن اللاجئين تعادل 15.7 % من النفايات الصلبة التي الناتجة عن اللبنانيين قبل حلول الازمة. ويتم التخلص من 52% من النفايات الصلبة في مكبات عشوائية وتحرق في أراضٍ قائمة على ضفاف الانهر مما يؤدي إلى زيادة تلوث الأرض والتربة بالإضافة إلى تلوث المياه السطحية والجوفية. وقدرت كميات النفايات الناتجة في منطقة الحوض الاعلى لنهر الليطاني: 173 طن/يوم -حوالي 63000 طن/سنويا-  (69000 نازح  ضمن ناطق مجرى النهر حتى تاريخ 2021).

جميع تلك الأرقام تظهر حجم الكارثة الصحية المنتشرة على ضفاف نهر الليطاني والتي تؤثر بشكل على الصحة الجنسية والقدرة الانجابية للسكان، لا بل يتعدى الأمر إلى الأجنة والأطفال حديثي الولادة، وضعف قدرتهم الجنسية، ما يعني أن استمرار الوضع على ما هو عليه يشكل خطراً حقيقياً على مستقبل نمو هؤلاء الأطفال، وقدرتهم الانجابية في المستقبل، خصوصاً مع ضعف الدراسات الموجودة حول حجم تأثير النفايات الطبية والصرف الصحي على الصحة العامة.

تمّ إنتاج هذا التقرير بدعم من مؤسسة مهارات ومنظمة "Hivos" ضمن مشروع We Lead، وتجدر الإشارة إلى أنّ المحتوى لا يعبّر بالضرورة عن آراء منظمة "Hivos".

 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني