كارلوس غصن: المرافق اللبنانية تساوي 200 مليار اذا تم تشغيلها
كارلوس غصن: المرافق اللبنانية تساوي 200 مليار اذا تم تشغيلها

أخبار البلد - Friday, December 30, 2022 12:09:00 PM

 المصدر: النهار

قبل ثلاث سنوات بالتمام والكمال، اي في صبيحة 30 كانون الاول 2019، حطت طائرة حملة كارلوس غصن، الى بيروت، هاربا من سجنه الياباني، في عملية معقدة، حملته داخل صندوق الات وادوات موسيقية، الى خارج البلاد. ثلاث سنوات، ربما لم تكشف فيها كل الالغاز، ولم نرد العودة الى تفاصيلها، التي عرف جزء كبير منها، لكننا اردنا مجددا القاء الضوء على تجربة رجل اعمال ناجح قل مثيله، رغم كل الاخذ والرد، والتهم التي رافقته. مع كارلوس غصن كان هذا الحوار في الذكرى الثالثة لعودته الاكثر لبنانية هذه المرة

أي توصيف تفضّله للتعريف بك؟

- بطريقة كلاسيكية، الرئيس السابق لمجموعة نيسان - رونو

بأي سيارة وصلت اليوم إلى ستوديو "النهار العربي"؟

- استقليّت عربة نيسان باترول

إذا أردنا التحدث مع كارلوس غصن، هناك مئة ألف سؤال يُطرح... سنبدأ بالأرقام. كم تقدّر ثروتك؟ وهل كنت فقيراً في مرحلة معينة من حياتك؟

- لم أكن فقيراً ولا يمكن أن نشبّه أنفسنا بالوضع الراهن، لكنني جئت من عائلة متوسّطة في كسروان وتعلّمت في مدرسة مرموقة واستطعت أن أدفع المتوجبات المترتبة لناحية قسط الجامعة في فرنسا. كنّا نعيش بشكل يوميّ ولم يكن هناك ثروة أو مال، بل اهتمام بالعلم والمعرفة وسط تحفيز الأهل والمدرسة. ولا بدّ اليوم وسط الأوضاع في لبنان أن نساعد العائلات والمدارس والقطاع التربوي بكلّ قدرتنا لأن هذا هو الرأسمال الوحيد الذي لدينا. بدأتُ من طبقة بورجوازية متوسطة وبدأت أصعد سلّم النجاح من خلال كفايتي، حيث لفتت أنظار الشركات باعتبار أنني أستطيع تحقيق نتائج. عملت على نفسي بنفسي ووصلت لأن الشركات كانت ترغب في الوصول الى نتائج متوخاة. يمكن للفرد أن يصبح غنياً من خلال عمله في الشركات والحصول على أسهم لتشجيعه على الاستمرار بالجهود التي يبذلها. وفي وقت لم تعد ثروتي تقدّر كما سابقاً بعد المشاكل التي واجهتها في اليابان، لكنني أشكر الله اليوم لأنني لا أشكو من أي شيء

هل كنت تحتفظ بأموال في مصارف لبنان؟

- نعم لأنني أستثمر في لبنان منذ 20 سنة، ولا بدّ لي أن أفتح حساباً مصرفياً إذا كان لديّ شركات وأستثمر في لبنان

لم تكن تشعر بأن الأوضاع في لبنان يمكن أن تصل إلى ما آلت إليه اليوم؟

- لم أكن أشعر بذلك لأنني لم أكن مقيماً في لبنان ولم أكن أعرف حقيقة الوضع اللبناني. تأملت أن يستمرّ النظام اللبناني كما كان. واليوم، يمكن الوصول إلى حلول للمشاكل الحاصلة لكنني تفاجأتُ بـ"الضرب" الذي حصل، خصوصاً أنه استجدّ في السنوات التي لم يكن في استطاعتي التحرك خلالها لأنني كنت في اليابان وقتذاك

كارلوس غصن وُلد في البرازيل، ثم عاد إلى لبنان كتلميذٍ في مدرسة الجمهور. هل تتذكّر طفولتك وذكرياتك في لبنان وفي مدرسة الجمهور؟

- لا تزال مدرسة الجمهور مميزة في لبنان. وأتذكر أنها مدرسة تتصف بالنظام والمنافسة وحبّ التحدي. وإذا كنت صادفت بعض الذين لا يأبهون للتحصيل العلمي يومذاك، إلا أنه كان ثمة كثرٌ من التلامذة الذين يحبّون النجاح - ليس المالي فحسب - بل أيضاً على الصعيد المهني وسط حبّ للامتياز الذي تربيّنا على أسسه والذي أعتقد أنه لا يزال يميّز مدرسة الجمهور. وهناك الكثير من الأصدقاء الذين رافقوني في المدرسة ولا أزال أراهم وعلى تواصل معهم... ولكن أيام المدرسة صارت قديمة

في مثل هذا النهار، 30 كانون الأول 2019، أين كان كارلوس غصن؟

- كنت وصلت عند الساعة 6 صباحاً إلى بيروت؛ كنت في لبنان

بماذا شعرت في تلك اللحظة التي وصلت فيها إلى لبنان؟

- تنفّست (الصعداء) أولاً بعدما كنت بمثابة شخص محتجز في مكان وهو يحارب ويتعذّب لمدّة سنة بلا سلاح ومن دون أن يستطيع الكلام أو الدفاع عن نفسه أو التحرك أو فعل أي شيء؛ لكنني عندما وصلت إلى لبنان علمت أنّ كلّ تلك المدة التي لم أكن أستطيع الكلام فيها قد انتهت، والآن حان وقت الدفاع عن النفس وسرد الحقيقة. عندما وصلت إلى مطار بيروت عند الساعة 6 صباحاً تنفّست (الصعداء) لأن المعركة كانت بدأت حينذاك للدفاع عن الاسم وفضح كلّ ما كان حصل بعدما قبضوا عليّ في اليابان بمساعدة الفرنسيين.

هل كنت متأكداً وتتخيل أنك ستجلس يوماً وتتحدث عن هذه القصة... قصة كارلوس غصن العالمية؟

- كنت أتخيّل أنه من المعقول أن يحصل ذلك لكنني لم أكن متأكداً أبداً لأنه عند تنظيم شيء كهذا (رحلة العودة الى لبنان) كان ثمة مخاطر عدة كما هناك مكافأة هي الحرية والدفاع عن نفسي واسمي وإرثي وأن أفضح ما حصل. لكن أعلم أنني كنت أحارب دولاً بعدما حصلت مؤامرة ضدّي تحدثت عنها في الكتب والوثائقيات التي منها صدرت ومنها ما سيصدر الشهر المقبل أو شباط كحدٍّ أقصى. لكنني سبق أن أخبرت القصة في كتب ووثائقيات سبق أن نُشرت سابقاً.

130 يوماً في السجن تُخبر عن كارلوس غصن الانسان الصلب الذي لم يهتزّ. ماذا كنت تشعر خلال هذه اللحظات التي كنت مقطوعاً فيها عن العالم وتُمنع فيها من الكلام مع أحد وتعرّضت فيها لشتّى أنواع الضغط؟

- لا أحد يكون صلباً بشكل متكامل وفي كلّ الوقت. هناك أيام وأوقات يسأل الانسان نفسه خلالها ماذا يحصل؟ ولماذا حصل كلّ ما جرى؟ أين هذه التركيبة ولماذا كلّ هذا الغضب؟ عندما اعتقلتُ كنت أدير شركة ولم أذهب إلى اليابان لأنني كنت أحبّ الذهاب إلى هناك، بل لأنهم طلبوا مني الذهاب باعتبار أنهم لم يدركوا حينذاك كيف يمكن أن يعالجوا مشكلتهم. وعندما يطلب الياباني أجنبياً لمساعدته هذا يعني أنه كان "مخنوقاً" وليس لديه أي حلّ آخر. طلبوا من شركة رونو أن تساعدهم وأن ترسلني شخصياً وقالوا إنهم يريدونني شخصياً. قال لي لويس شوازير قبل أن يطلب مني الذهاب إلى اليابان، أن "اليابانيين قبلوا بالعرض شرط أن تذهب أنت". هم اختاروني، وكان لويس شوازير أيضاً قد أمّن لي... وحصل كلّ ما جرى بين 1999 و2018 عندما احتجزت.

طلبوا كارلوس غصن لينقذ نيسان. ماذا عن أرقامها عندما بدأت العمل فيها؟

- في العام 1999 كانت الشركة مفلسة عملياً. والشركة تفلس ليس لأنها تخسر، بل لأن أحداً لم يعد يقرضها أموالاً. يمكن خسارة الأموال مئة عام طالما تبقى الشركة قادرة على استدانة الأموال للاستمرار. "الكاش" (العملة النقدية) هو السرّ الذي يجعل الشركة تبقى على قيد الحياة. ويُعتبر تحقيق أرباح من عدمها مسألة ثانوية. عندما تيأس المصارف اليابانية من شركة يابانية، هذا يعني أن القضية كانت متوترة إلى حدّ كبير في نيسان الشركة التي لم تربح أموالاً بين عامي 1990 و1999؛ بل وصلت ديونها الى 20 مليار دولار ولا آمال للإنقاذ بعد محاولتين باءتا بالفشل. عندها وجدت الشركة نفسها أمام خيار أن تدعو رونو وتدعوني شخصياً للمجيء الى اليابان لمحاولة الخروج من الحالة التي تعانيها، وإلا الإفلاس. ورحّبت نيسان سنة 1999 بأن رونو وافقت وأنا قبلت الذهاب إلى اليابان... هكذا كان الوضع في ذاك الوقت

ماذا فعلت؟

- المسألة الأولى التي قمت بها عندما وصلت، هي أنني أعدت الثقة من خلال خطة في غضون 3 أشهر. لم أقم بها بمفردي بل مع اليابانيين. وقلت إن هذه الخطة ستعطي نتائج سريعة ولن نطلب من الناس مساعدتنا للانتظار مدة 3 أو 5 سنوات للوصول إلى نتيجة، بل إنه خلال السنة الاولى سنعود إلى تحقيق الأرباح، وفي السنة الثانية سنكبّر حجم أرباحنا، وفي السنة الثالثة سنخفّض الدين إلى النصف من 20 ملياراً الى 10 مليارات. ولا بدّ أن نعمل كلّنا أو أننا كلنا سنستقيل وليس أنا بمفردي فحسب. وأعدنا الثقة لأنه كانت لدينا خطة. وقلنا إننا سنكون جميعاً خارج الشركة في حال عدم الوصول الى النتائج المرجوة. طبّق الاهتمام واستقطبنا الأنظار العالمية حيث أن شخصاً واحداً أجنبياً وصل الى اليابان أخذ التزاماً وتعهد بالاستقالة في حال عدم النجاح. وحصل أن عادت الشركة الى تحقيق الأرباح في السنة الأولى. واستطعنا في السنة الثالثة ايفاء كلّ الديون ووصلت الشركة الى الربح الأعلى خلال 4 سنوات من لحظة البدء. كانت تثمّن الشركة سنة 1999 بـ8 مليارات دولار، ووصلت قيمتها بعد 4 سنوات الى 68 مليار دولار. ونتحدث عن بلد كاليابان وعن شركة في بلد ليس بلدنا وعن لغة لا نتقنها، لكننا نستطيع البرهنة بأنه إذا عملنا جيداً مع الخطة الموضوعة وبكثير من النظام والتركيز في التنفيذ، هناك استطاعة في بلد مثل اليابان أن تحقق الشركة أرباحاً كبيرة سنوياً. عندما بدأنا العمل بالخطة اضطررنا الى إقفال معامل والاستغناء عن موظفين. قلت إنه يستوجب علينا الانتظار قليلاً لمعرفة النتيجة. عندما دخلت الى الشركة كان يعمل في نيسان 115 ألف موظف، فاستغنينا عن 15 ألفاً وقلّصنا العدد الى 100 ألف. وعندما غادرت نيسان سنة 2018 كان بلغ عدد الموظفين 240 ألف موظف، مع الاشارة الى أن غالبية الذين سرّحوا ورغبوا في العودة قمنا بتوظيفهم مرّة جديدة. كنت صلباً رغم الكثير من الانتقادات التي وجهتها الصحف اليابانية لي بداية، لكنها تعجّبت عند بدء التماس النتائج. وصرت شخصاً معروفاً جداً في اليابان، في وقت لم ينتظروا شيئاً... وأعطيتهم كلّ ما لم يتأملونه.

أي ثمن دفع كارلوس غصن؟

- توقّفت مهنتي. هذا هو الثمن

أي هدف كان خلف التوقيف؟

- الهدف هو الخروج من رئاسة التحالف حتى يكون باستطاعة نيسان وميتسوبيشي أخذ حريتهم من الفرنسيين

أين هم اليوم؟

- عندما أرى وضع نيسان ورينو وميتسوبيشي اليوم مقارنة مع سنة 2018 فإن الحال باتت كارثيّة رغم أن المسؤولين يقولون إن الوضع يتحسّن بعد جائحة "كوفيد 19" التي ضربت قطاع السيارات. لكن عند تقويم نتائج تويوتا وبيجو الراهنة، فإن تشبيهها برونو ونيسان بمثابة كارثة. سهم نيسان اليوم تراجع وأصبحت قيمته ثلث ما كانت عليه سنة 2018. وأصبحت قيمة سهم رونو ثلث ما كانت عليه قبل احتجازي. اليوم، هناك موظفون يسرّحون ومعامل تقفل. ولم يعد هناك الطموح الصناعي الذي كان موجوداً سابقاً والخطة التي كانت تجعل عمل الشركات بين بعضها البعض عبر القارات لتحقيق الطموحات

شخص مثل كارلوس غصن بالتأكيد لديه رؤية لخلاص لبنان من مأزقه. ما هو مشروع كارلوس غصن وحلوله لبلد كلبنان؟

- ليس لدي مشروعاً للبنان بل لديّ حلول. ليس لدي مشروعاً لأن ليس لدي أي طموح سياسي. ولم يكن لديّ مشروع سياسي طوال حياتي علماً أنه عرض عليّ الاضطلاع بدور سياسي ليس في لبنان فحسب بل في بلدان عدة أيضاً قبل سنة 2018. ولم أقبل بالعروض لأن الموضوع السياسي لا يعني لي. وذلك لا يعني أنني لست أبالي بحالة لبنان وبالشعب اللبناني الذي أهتم به وأتأثر بالوضع لأنني أدرك أن هناك حلولاً وليس حلاً واحداً فحسب. شهد لبنان أزمة مالية تبعتها أزمة اقتصادية سببها الأزمة المالية. ثم تسببت الأزمة الاقتصادية بأزمة اجتماعية. ويكمن الأساس في الازمة المالية التي لها حلول اقتصادية ومالية واجتماعية. لكن السياسي هو من سيختار الحل لأنه منتخب من الشعب اللبناني. يتوجب على الأشخاص الذين يحوزون الشرعية اختيار الحلول

كثر يسألون عن الحلول التي يختارها كارلوس غصن للبنان

- لبنان لم ينته والشعب اللبناني لم ينته. للخروج من الوضع الحالي هناك حلول. يتمثل الشرط الاول الأساسي لأي مشكلة تقع فيها شركة أو مدينة او بلد، في وحدة القيادة التي اذا فُقدت ستستمر الازمة الى ما شاء الله. عندما ذهبتُ الى اليابان قلت إنني أساهم في اعادة الاستقامة الى وضع الشركة، ليس بمفردي بل الى جانب الفريق. لكن، اذا بقيت مسألة غير مقرّرة مثلاً فإنها ستعود إليّ وأنا سأقرر. يمكن الاتيان بأهم الأشخاص في العالم ووضعهم في الوظائف اللبنانية، لكنهم لن يتمكنوا من فعل شيء في غياب وحدة القيادة. ويمكن الوصول الى حلول تقنية بعد تحقيق وحدة القيادة. لبنان بلد غني لكن الدولة فقيرة. ولبنان ليس مفلساً بل الدولة هي المفلسة. تقدّر العقارات والمرافق اللبنانية بأكثر بكثير مما يقال. وإذ تقدرها الدراسات بحوالي 30 مليار دولار، لكنني أعتقد انه يمكن تقديرها بأفضل بكثير اذا تم تشغيلها. اذا وضعت هذه المقدرات بين يدي خبراء فعلوا في حياتهم الشيء نفسه ونجحوا في هذه الاطارات نفسها (خبراء المرافئ يديرون المرفأ وخبراء الطيران يديرون قطاع الطيران...) من خلال خبراء لبنانيين ناجحين في العالم مثلاً للمساهمة في تحقيق مصلحتهم الشخصية على قاعدة أن يساهم ذلك في غنى البلاد أيضاً. الـ30 ملياراً بحسب حساباتي تساوي أكثر من 200 مليار خلال 4 سنوات بما يساهم في حلّ كلّ المشاكل ولا حاجة للمساعدة من الخارج التي لن تأتي... لأن أحداً لن يقول إنه سيجلب الحل الى البلاد. الجميع يقول ساهموا في ايجاد حلّ ونحن نساعدكم. لكن لا بد من المباشرة بالحل والا فإن أحداً لن يساعد... لا صندوق النقد أو أي بلد اجنبي. لن يضع أحد ليرة في لبنان. وحتى المساهمة المالية اذا حصلت لن تساهم بشيء في وعاء مثقوب. هناك حاجة اولا الى سدّ الثقب ثم التوجه الى حلول تقنية.

لقراءة المقال كاملا عبر "النهار" اضغط هنا

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني