حسن هاشم – أنقرة
كسرت العاصمة الروسية موسكو جليد العلاقة بين تركيا وسوريا في عطلة نهاية العام باستضافتها لقاءً بارزاً يوم أمس جمع وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ووزير الدفاع السوري علي محمود عباس برعاية نظيرهما الروسي سيرغي شويغو وبمشاركة رئيسَيْ المخابرات التركية هاكان فيدان والسورية حسام لوقا.
ويعدّ هذا اللقاء هو الأوّل من نوعه على المستوى الرسمي بين الجانبين التركي والسوري منذ بدء الأزمة السورية في العام 2011 وما تبع ذلك من قطيعة وصلت حدّ العداء بين الجانبين.
إلا أنّ تصريحات تركية برزت في الأشهر القليلة الماضية ولا سيما من رأس الدولة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان حملت رسائل "غزل" إيجابية تجاه دمشق، ليقترح خلال الشهر الحالي "آلية ثلاثية" لإعادة العلاقة مع سوريا بشكل تدريجي وصولاً إلى عقد قمّة تجمعه إلى كلّ من الرئيس السوري، بشار الأسد، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وطرحت هذه التحولات المفصلية في الشكل والمضمون علامات استفهام كثيرة تتلخّص في ما تريده كلّ من أنقرة ودمشق من بعضهما وأين يرى كلّ جانب مصالحه في هذا التقارب؟
مطلبان تركيان
نادر الخليل، باحث سوري مهتم بالشأنين السوري والتركي وبالحوكمة، اعتبر في حديث لـvdlnews أنّ "اللقاء الذي حصل يوم أمس في موسكو هو بمثابة الخطوة الأولى لـ"الآلية الثلاثية" التي اقترحها اردوغان على نظيره الروسي والتي تنصّ على اجتماع بين أجهزة الاستخبارات في الدول الثلاث أولاً، يتبعه لقاء على مستوى وزراء الدفاع ثمّ وزراء الخارجية، ثمّ قمة على مستوى الرؤساء اردوغان – بوتين – الأسد".
وأشار الخليل وهو زميل في مركز "عمران للدارسات الاستراتيجية" في أنقرة إلى أن "وزير الدفاع التركي طرح مطالب بلاده أمام نظيريه الروسي والسوري، والمتمثّلة بأمرين أساسيين هما: مسألة أمن الحدود مع سوريا ولا سيما مكافحة وجود ما يعرف بـ"قوات سوريا الديمقراطية" أو "قسد" المدعومة من "حزب العمال الكردستاني" (المصنّف إرهابياً في تركيا)، والأمر الثاني مسألة إعادة اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم".
وعلى الرغم من حصول هذا اللقاء على مستوى وزراء الدفاع وأجهزة الاستخبارات، إلا أنّ الخليل استبعد حصول لقاء بين الأسد وأردوغان في المدى القريب، مرجّحاً حصول لقاءات أخرى على المستوى الأمني – الاستخباراتي بين الجانبين السوري والتركي برعاية روسية.
أهداف تركيا
وبحسب الخليل، فإنّ تركيا تسعى لتحقيق مكاسب سياسية خاصة بعد انسداد الأفق أمام إمكانية تنفيذ عملية عسكرية في الشمال السوري، وتوقف أو "إلغاء" عمليتين بريتَيْن كان أُعلن عنهما سابقاً.
وعليه، يضيف الخليل: "تهدف تركيا عبر محاولات التقارب مع النظام السوري لتعديل "اتفاقية أضنة" والتي منحت الحقّ لتركيا في اتخاذ الإجراءات الأمنية اللازمة داخل الأراضي السورية حتى عمق 5 كلم في حال إخفاق الجانب السوري في اتخاذ التدابير والواجبات الأمنية بمواجهة "حزب العمّال الكردستاني".
وأوضح أنّ هدف تركيا قد يكون "تعديل المسافة من 5 كلم لتصبح 30 كلم مما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية في المنطقة بموجب الاتفاقية مع دمشق وبذلك يكون لدى أنقرة سند قانوني لأي عمل عسكري ضمن مسافة الـ30 كلم".
تأثير المعارضة التركية
إلى ذلك، شدد الخليل على أنّه "لا يمكن إغفال تأثيرات موقف المعارضة التركية على أبواب الانتخابات الرئاسية التركية ولا سيما بعد تصريحات لمسؤولين في المعارضة عن نيتّهم إعادة اللاجئين السوريين خلال سنتين وإعادة التواصل مع النظام السوري".
ورأى في هذا الصدد أنّ "المسألة في جزء كبير منها مرتبطة بتجاذبات انتخابية يسعى من خلالها الطرفان (أردوغان والمعارضة) لكسب أصوات الناخبين المترددين"، معتبراً أنّ أردوغان عمل من خلال مواقفه الأخيرة على "سحب الورقة المتعلقة بسوريا من المعارضة التركية التي كانت تستغلها في المعركة الاتخابية المقبلة".
ماذا تريد سوريا؟
وفي المقابل، يطرح مراقبون تساؤلات حول مصلحة سوريا من التقارب مع تركيا وما هي المطالب التي تريدها دمشق من أنقرة.
وفي هذا الصدد، رأى المحلّل السياسي والخبير الاستراتيجي السوري، الدكتور علاء الأصفري، أنّ "دمشق لديها مطلبان رئيسيان قد يكون عرضهما الجانب السوري أمام الجانبين التركي والروسي في اجتماع موسكو الثلاثي".
وبحسب الأصفري، فإنّ المطلب الأول هو انسحاب كامل القوات التركية من شمال غربي سوريا، أمّا المطلب الثاني فهو أن تتوقّف تركيا عن دعم "الإرهابيين" والذين شكّلوا، بنظر الدولة السورية، عصابات موجودة الآن في الشمال السوري تتحكّم بها "جبهة النصرة" الإرهابية وهي أحد فروع "تنظيم القاعدة".
ولفت الأصفري في حديثه لـ vdlnews إلى أنّ "العصابات في إدلب و"جبهة النصرة" تتعاون حتّى الآن بشكل كبير مع تركيا حتّى أنّه تمّ فرض العملة التركية في عمليات التداول في تلك المنطقة".
نظرة حذرة تجاه اردوغان
وفيما شدّد الأصفري على أهمية هذين المطلبين بالنسبة للجانب السوري، إلا أنّه لفت إلى أنّ "نظرة دمشق نحو اردوغان لا تزال حذرة وغير موثوقة كلياً ولا سيما أنّها ترى في مواقفه الأخيرة محاولة لسحب ورقة العلاقة مع سوريا من يد المعارضة التركية على أبواب الانتخابات الرئاسية التركية في 2023".
وعليه يضيف الأصفري: "دمشق غير معنية في ما إذا كان اردوغان يلعب هذه اللعبة من أجل الانتخابات الرئاسية فقط، أما إذا كانت هناك فعلًا نية لحفظ الأمن القومي التركي وتحقيق المصالحة مع سوريا فهذا ما ترحب به دمشق".
أمّا في ما خصّ هواجس أنقرة من الوجود الكردي على المناطق الحدودية السورية – التركية ولا سيما التنظيمات المسلّحة كـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، فإنّ الأصفري يرى أنّ "الحلّ يكمن بأن يفرض الجيش السوري سيطرته على هذه المناطق وهذه وجهة نظر موسكو كذلك".
ورأى أنّ "انتشار الجيش السوري على كافة الحدود السورية - التركية يُفقد الذريعة للدولة التركية بأن تتدخل عسكرياً ولا سيما برّاً في سوريا، بغضّ النظر عن اتفاقية أضنة".
سوريا لن تسمح بأيّ عملية تركية
وجزم الأصفري أنّه "لا يمكن لدمشق أن تسمح بعملية عسكرية تركية في الداخل السوري"، لافتاً إلى أنّ الدولة السورية "تحاول مدّ اليد حتى إلى الانفصاليين الأكراد لمحاولة إعادتهم إلى كنف الدولة لأنّهم سيدفعون ثمناً غالياً في حال اجتاحت تركيا منطقة شمال شرقي سوريا".
واعتبر أنّه "إذا كانت هناك جدية من الجانب التركي في هذا التقارب، فإنّ النتائج قد تتظهر فوراً ما يمكن أن يجعل اللقاء قريباً بين الرئيسين السوري والتركي"، لكنّه عبّر عن اعتقاده بأنّ الرئيس السوري "لا يمكن أن يعطي هدية مجانية لأردوغان بلقائه إذا لم تلتزم تركيا بالانسحاب الكامل وإيقاف دعمها للارهاب والسماح بانتشار الجيش السوري تحت مظلّة روسية".