دوللي بشعلاني - الديار
الحركة السياسية مطلوبة في فترة الأعياد شرط أن تؤدّي الى نتيجة ما توصل في نهاية المطاف الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لا سيما في ظلّ الشلل السياسي الذي تشهده البلاد، مثل زيارة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الى متروبوليت بيروت للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة للمعايدة والبحث في الملفات الداخلية، أو زيارة وفد "كتائبي" وآخر "قوّاتي" الى بكركي. وفي ظلّ وصول الحوار الى طريق مسدود بعد قرار رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي أخيراً عن عدم الدعوة مجدّداً الى الحوار، بعد أن دعا اليه مرتين وقوبل بالرفض، يبدو أنّ اللقاءات السياسية لن تتعدى كونها ثنائية فقط. وتأتي حركة رئيس "التيّار الوطني الحرّ" النائب جبران باسيل، إن في بكركي أو خلال لقائه مع رئيس الحزب "الإشتراكي" وليد جنبلاط مرّات عدّة للتثبيت على موقفه، وليس للقيام بتنازلات أو بتسويات لا تصبّ في صالحه، على ما رشح عنها، إنّما للتسويق لمواصفات الرئيس التي يُطالب بها، ولقطع الطريق بالتالي على المرشَحَين الجديين. وتساءل البعض إذا ما كانت هذه الحركة هي للإبتعاد عن حزب الله بشكل نهائي، أم لإعادة التقارب فيما بينهما؟!
تقول مصادر سياسية مطّلعة أنّ العلاقة بين حزب الله و"التيّار الوطني الحرّ" يحاول رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال عون ترميمها، سيما وأنّه هو الذي وقّع على مذكرة تفاهم مار مخايل الى جانب توقيع الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله وليس النائب باسيل. وما حصل من خلافات أخيراً بين باسيل والحزب على خلفية مشاركة وزيري الحزب في الجلسة الحكومية التي دعا اليها ميقاتي، رغم رفضها من قبل وزراء "التيّار" واعتبارها غير ميثاقية، وما تلاها من اتهامات ساقها باسيل واتهم فيها الصادقين بعدم الصدق، ومن ثمّ حاول في مقابلة تلفزيونية تنحية السيّد نصرالله شخصياً عن اتهاماته هذه، تجد المصادر أنّه يمكن إعادة ترميمها، لأنّ كلّ من الحزبين لا يمكنه الاستغناء عن الآخر حالياً، غير أنّ معالجة المسألة تحتاج الى بعض الوقت لكي ينسى السيد نصرالله الإساءة التي تعرّض لها من قبل باسيل.
وفي هذه الأثناء، يحاول النائب باسيل توسيع دائرة حركته الداخلية، بعد أن قام بحركة خارجية، لا سيما في قطر، على ما أضافت المصادر، بهدف إعادة رسم صورة جديدة له، مختلفة عن تلك التي سادت خلال عهد الرئيس عون، أو تسويق نفسه على أنّه القادر على التفاهم مع جميع الأطراف، وإن كان قد كسر الجرّة مع "القوّات اللبنانية"، ومع "تيّار المردة"، ومع "حركة أمل" في فترات سابقة. أمّا لقائه مع جنبلاط فتدخل ضمن السياق الطبيعي لإجراء محادثات مع الطرف الآخر غير المسيحي، من خارج الثنائي الشيعي.
ولعلّ هذا الأمر الذي جعل البعض يفكّر بأنّ باسيل يُحاول التمايز عن "الثنائي الشيعي" من خلال بناء علاقات مع الفريق السياسي الآخر، على ما أشارت المصادر نفسها، علماً بأنّ جنبلاط الذي يُطالب وفريقه بنزع سلاح المقاومة، غالباً ما يعود للحديث عن أنّ الظروف غير ملائمة لمثل هذا الإجراء. من هنا، فإنّ لقاءات باسيل- جنبلاط لا تغيظ الحزب ولا تؤثّر سلبا أو إيجاباً فيه، كون جنبلاط مرنا ويلين مع تبدّل المعطيات.
وبرأي المصادر أنّه من مصلحة حزب الله بالتالي امتصاص باسيل، كما من مصلحة هذا الأخير عدم توسيع الشرخ بينه وبين حزب الله، لأنّ كلّ منهما يحتاج الى أصوات كتلة الآخر لإيصال أي مرشح الى قصر بعبدا، وإن كان باسيل يحاول كسر الإصطفافات السياسية من خلال تكثيف لقاءاته مع جنبلاط، حيث يُعتبر هذا الأخير "بيضة القبّان" بالنسبة لأي فريق سياسي يحتاج الى بعض الاصوات لإيصال مرشّحه الى رئاسة الجمهورية. كما أنّ باسيل من جهة، و"القوّات اللبنانية" من جهة قد تُشكّل هذا الدور في حال توافق كلّ منهما مع أصوات نيابية وازنة.
ومن هنا، فإذا أصرّ الثنائي الشيعي على ترشيح رئيس "تيّار المردة" سليمان فرنجية للرئاسة، على ما أوضحت المصادر، فإنّ موافقة "التيّار الوطني الحرّ" تبدو أساسية، إلّا إذا حلّ مكانه حزب "القوّات اللبنانية" فوافق، على سبيل المثال، على المشاركة في الدورة الثانية من أي جلسة إنتخابية لتأمين نصاب الثلثين، من دون أن يدلي نوّابه بأصواتهم لفرنجية. غير أنّ الحاجة تبقى ماسّة لأصوات النوّاب المسيحيين، إذ لا يجوز انتخابه بأصوات المسلمين فقط، وإلّا فإنّ عهده سيبدأ بالإشكالات السياسية. ولهذا يسعى الثنائي الى عدم توسيع الخلاف مع باسيل الى حدّ الطلاق، من دون أن يكون لهما حليف بديل مسيحي.
وأكّدت المصادر عينها الى أنّ حركة باسيل لا تهدف الى تسهيل انتخاب رئيس الجمهورية الجديد بعد عطلة الأعياد، بل الى تعقيدها أكثر فاكثر في ظلّ رفضه انتخاب فرنجية، وعدم موافقته أيضاً على انتخاب قائد الجيش العماد جوزف عون، ومن دون تقديم أي مرشّح بديل، في ظلّ حديثه عن أنّه غير مرشّح للرئاسة حتى الآن. ويُحاول باسيل خلال لقاءاته التركيز على المواصفات والبرنامج الذي يطالب به، بدلاً من الخوض في الأسماء سيما وأنّه يطمح، على ما أكّدت المصادر، الى أن يترشح شخصياً عندما تسمح له الظروف، وبعد أن يتمكّن من شطب العقوبات الأميركية. علماً بأنّ أي رئيس جديد للجمهورية، لا بدّ وأن يتمتّع بمواصفات القيادة النظيفة، ويكون قادراً على تحقيق الإصلاحات المطلوبة من لبنان من قبل صندوق النقد الدولي، كما من اللبنانيين، بهدف تحسين الوضع الإقتصادي والمالي والمعيشي، وأن يعمل على توافق الجميع من أجل تسيير أمور الناس، وألّا يكون مستفزّاً لأي طرف سياسي في البلد. ولا يمكن أن يصل أي مرشّح الى المنصب الرئاسي بعيداً عن التوافق بين الداخل والخارج، وإلّا فإن نزف البلد سيستمرّ ولن يذهب الى أي استقرار سياسي وإقتصادي قريباً.