في مثل هذا اليوم من عام 1968، نفذت وحدات خاصة إسرائيلية إحدى أكبر العمليات العنيفة المبكرة، وقامت بمهاجمة مطار بيروت وتدمير أكثر من نصف الأسطول الجوي المدني اللبناني.
أطلق على تلك العملية التي استغرقت حوالي 15 دقيقة اسم "دار"، ولم تواجه قوات الإنزال الخاصة الإسرائيلية أية مقاومة، وانتهى الهجوم من دون سقوط ضحايا من الجانبين.
تلك العملية التي استهدف خلالها الجيش الإسرائيلي هدفا مدنيا كانت رد فعل مدويا وعنيفا على قيام مسلحين فلسطينيين تابعين للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في 22 يوليو 1968 باختطاف طائرة ركاب مدنية إسرائيلية تابعة لشركة العال، كانت في رحلة من روما إلى تل أبيب، وإجبار طاقمها على التوجه إلى الجزائر والهبوط في عاصمتها.
بعد هبوط طائرة الركاب الإسرائيلية المختطفة في الجزائر، تم إطلاق سراح ركابها، باستثناء 35 إسرائيليا. وفي وقت لاحق، لبت الحكومة الإسرائيلية مطالب الخاطفين وقامت بإطلاق سراح سجناء فلسطينيين مقابل حياة الرهائن.
في اليوم التالي أطلق الخاطفون الفلسطينيون سراح النساء والأطفال الإسرائيليين، إلا أن بقية الركاب وأفراد الطاقم المكون من 12 إسرائيليا لم يتم إطلاق سراحهم إلا بعد شهر.
عقب هذه العملية شرع ضباط هيئة الأركان العامة الإسرائيلية في وضع خطة لعملية عسكرية انتقامية، جرى تنفيذها بعد يومين من عملية ثانية للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قام خلالها مسلحان اثنان بإطلاق النار على طائرة تابعة لشركة العال افسرائيلية في مطار أثينا، ما أسفر عن مقتل إسرائيلي.شاركت في تلك العملية الإسرائيلية الكبيرة والتي أثارت ردود فعل دولية غاضبة حينها، سرية استطلاع لواء المظلات "سايريت تسانخانيم" مع "سيريت ماتكال"، وهي وحدة خاصة رئيسة للاستطلاع في الجيش الإسرائيلي. وكان مقر هذه القوة المكلفة بتنفيذ عملية الهجوم على مطار بيروت في قاعدة "رمات ديفيد" الجوية، بجنوب شرق حيفا، فيما تم تعيين العميد رافائيل إيتان قائدا لها.
قائد هذه العملية صاحب تاريخ حافل، فقد كان المكلف باعتقال الضابط النازي، أدولف آيخمان، وإحضاره من الأرجنتين. وتولى منصب مساعد رئيس الموساد لشؤون العمليات الخاصة لنحو ربع قرن، وأصبح في وقت من الأوقات وزيرا للزراعة، وترأس هيئة الأركان العامة الإسرائيلية، ولقي حتفه غرقا في عام 2004 في مياه إسدود.
جرى وفقا لخطة الهجوم تقسيم منطقة مطار بيروت إلى ثلاثة قطاعات، في كل منها كان من المقرر أن تعمل مفرزة تتكون من 20 إلى 22 شخصا. كانت مهمة القوات الخاصة هي إلحاق أكبر قدر من الضرر بشركات الطيران العربية، وتفادي إلحاق أضرار بطائرات شركات الطيران الأخرى.
في تلك العملية شاركت في المجموع 15 طائرة مروحية متنوعة، واحدة من طراز "سا 341 غزال"، وست مروحيات إنزال من طراز "إس إيه 321 سوبر فريلون" وثماني من طراز "بيل".
علاوة على ذلك شاركت في العملة ست طائرات حربية نفاثة طراز "2 إيه -4 سكاي هوك" و 4 مقاتلات "فوتور"، وست طائرات للمساعدة "4 نورد و 2 بوينغ"، و4 قوارب صاروخية من فئة "سار"، واثنان من قوارب الطوربيد، والعديد من قوارب الإنزال الآلية، للطوارئ في حالة الحاجة إلى إخلاء المظليين من الساحل أو إنقاذ طاقم وركاب المروحيات من البحر.
يوم 28 ديسمبر، انطلقت في الجو مروحيات "سوبر فريلون" وعلى متنها مجموعة قوات الإنزال الخاصة.
بعد 40 دقيقة، وصلت إلى الهدف وبدأت عملية الإنزال. جرى تشكيل حاجز من الدخان للتعمية في مطار بيروت من قبل طائرات مروحية أخرى، وتم إسقاط مسامير على الطريق المؤدي إلى المطار لوقف حركة المرور، وأُطلقت علاوة على ذلك نيران تحذيرية عدة مرات من طائرات مروحية على سيارات كانت تحاول دخول المطار.
عملية الإغارة والإنزال الجوي انتهت بتدمير أكثر من نصف الأسطول الجوي المدني اللبناني، متمثلا في 13 طائرة ركاب، وقام المظليون الإسرائيليون أيضا بتعطيل سيارات الإطفاء في المطار، كما تعرضت شاحنة تابعة للجيش اللبناني لأضرار إثر استهدافها بنيران طائرة مروحية إسرائيلية.
مجلس الأمن الدولي أدان هذه العملية الإسرائيلية وفي قراره رقم 262، الصادر في 31 ديسمبر 1968، قائلا: "بعد الاستماع إلى بيانات من إسرائيل ولبنان، دان المجلس إسرائيل لعملها العسكري المتعمد انتهاكا لالتزامها بموجب الميثاق وقرارات وقف إطلاق النار". وأصدر تحذيرا رسميا إلى إسرائيل بأنه إذا تكرر وقوع مثل هذه الحادثة، سيتعين على المجلس أن ينظر في اتخاذ مزيد من الخطوات لإنفاذ قراراته، ويعتبر أن لبنان قد عانى وأن المسؤولية تقع على عاتق إسرائيل".
وأعلنت في ذلك الوقت الخطوط الجوية اللبنانية بأن إجمالي الخسائر التي نجمت على هذا الهجوم الإسرائيلي بلغت 50 مليون دولار. وفيما جرى تعويض جزء من هذا المبلغ عن طريق مدفوعات من شركات التأمين، قام الأردن والكويت والمغرب بتسليم العديد من الطائرات المدنية إلى الخطوط الجوية اللبنانية مجانا، لتستعملها بشكل مؤقت.