طوني عيسى - الجمهورية
يعتقد كثيرون أنّ الأمر لن يطول حتى يدعو الرئيس نجيب ميقاتي إلى جلسة ثانية للحكومة المستقيلة. ويَنظر هؤلاء باهتمام إلى ردّ الوزراء المقاطعين، وفي مقدّمهم وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجّار، الذي وُصِف بأنّه «رأس الحربة» في المواجهة.
يُسأل حجّار عن الخطوات التي سيعتمدها الفريق المعترض، عندما يوجّه ميقاتي دعوة إلى جلسة ثانية، فيقول: «أمامنا خيارات عدة ندرسها، وسيكون لكل حادث حديث. ولكننا، بالتأكيد، سنعمل لمنع إدارة البلاد خارج قواعد الدستور والميثاقية».
يصرّ حجّار على عدم دستورية أي جلسة تعقدها الحكومة الحالية، التي يعتبرها «مستقيلة» و«مُقالة» في آن معاً. مستقيلة بسبب عدم حصولها على ثقة المجلس النيابي الحالي، ومُقالَة بقرار من رئيس الجمهورية. ويقول: «وفقاً للمادة 64 من الدستور، لا يمكن للحكومة أن تمارِس صلاحياتها قبل أن تنال الثقة، ويُفترض أن يتمّ ذلك خلال 30 يوماً من صدور مراسيم التشكيل. أي إنّ الحكومة لا تمارس صلاحياتها، لا قبل الثقة ولا بعد الاستقالة، إلّا بالمعنى الضيّق لتصريف الأعمال».
وفي الظرف السياسي الحالي، يتخذ هذا التفسير معنى أكثر خطورة. فالمجلس النيابي المنتخب في أيار الفائت يختلف بتركيبته تماماً عن المجلس السابق الذي منح الحكومة ثقته عند تشكيلها. ولأنّ هذا المجلس يتألف من مجموعات سياسية مختلفة، ويفتقد الفرز الواضح بين أكثرية وأقلية، فليس معروفاً إذا كان سيمنح هذه الحكومة ثقته أم لا، إذا مَثُلت أمامه.
وهذا سبب إضافي يدفع الحكومة المستقيلة والمُقالة إلى أن تلتزم تصريف الأعمال بالمعنى الضيّق، فتمتنع عن عقد الجلسات بوصفها مجلساً للوزراء يقوم مقام الرئاسة بالوكالة. وثمة فارق جوهري في المعنى الدستوري، بين مصطلح «الحكومة» ومصطلح «مجلس الوزراء».
وهذا الفارق يكشف ما قصده المشرّع في المادة 62 من الدستور، إذ يقول «في حال خلوّ سدَّة الرئاسة، لأي علّة كانت، تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً بمجلس الوزراء»، أي بكامل المجلس. وفي معنى آخر، إنّ الوكالة التي منحها المجلس النيابي لرئيس الجمهورية عندما انتخبه، يُفترض أن توازيها الثقة التي يمنحها هذا المجلس للحكومة عند مثولها أمامه. ولأنّ هذه الحكومة لم تحصل على الثقة فهي لا تستطيع ادعاء تسلُّمها صلاحيات الرئاسة بالوكالة. وإذا ما كانت مضطرة إلى إمرار بعض الشؤون للضرورة القصوى، فيجب أن يتمّ ذلك بمراسيم جوّالة، لا بجلسات، وأن تحمل هذه المراسيم تواقيع الوزراء جميعاً.
ويذهب حجّار إلى ما هو أبعد ليقول: «يقوم البعض بالاجتهاد في الدستور وفق مصالحه ويفسِّر صلاحيات الضرورة بلا ضوابط. وهذا أمر يُفترض أن يعيد النقاش إلى الأساس.
ففي 31 تشرين الأول الفائت، سلّم رئيس الجمهورية موقع الرئاسة مع انتهاء ولايته. ولكن، ماذا لو استند هو أيضاً إلى منطق «الضرورة»، وفق ما يراه، وفضَّل البقاء في موقعه في بعبدا من أجل تسيير المرفق العام، ما دامت الحكومة منقوصة الأوصاف وغير مولجة دستورياً تسلُّم صلاحيات الرئاسة؟
طبعاً، يقول حجّار، أراد الرئيس تجنيب البلد تفاقم الخضّات السياسية والدستورية، وافترَض أنّ الآخرين سيتحمّلون المسؤولية أيضاً ويلتزمون الدستور وضوابط الاستقرار والميثاقية. لكنهم فعلوا العكس.
وللتذكير، إنّ المواقع الثلاثة الأولى في الدولة تحمل مضامين ميثاقية لا يجوز العبث بها. ففي غياب رئيس الجمهورية، تُعتَبر المشاركة المسيحية في السلطة مفقودة. وهذا يعيدنا إلى الفقرة «ي» من مقدمة الدستور، وفيها أن «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك»، فأي شرعية لما يقوم به هؤلاء اليوم؟
يُسأل حجّار: ولكن، أنت دخلتَ الجلسة وشاركتَ في توقيع مرسوم صادر عنها، فيجيب: «هذا تضليل. فأنا لم أدخل إلى الجلسة إلّا بعدما أُقفِل الباب وبدأت أعمالها، بتوافر الثلثين، وبعدما اعتَبر المشاركون أنّ لهم الحق الدستوري في عقدها. وقد ذهبتُ لأضع حداً للتمادي في الخطأ. في الأساس، كانت خطتنا هي الحؤول دون انعقاد الجلسة. ولكن، عندما انعقدت، انتقلنا إلى خطة أخرى تقضي بالحضور إلى القاعة والتنبيه ومحاولة إيقاف الجلسة. وعندما فشلتُ في ذلك، عملتُ على مدى ساعة وربع الساعة على محاولة ثالثة هي وقف الجلسة بقوة النقاش. وهذا حقي الطبيعي كوزير».
ولكن، ثمة مَن يعتقد إنك مارستَ الشعبوية، يقال لحجّار، فيردّ بالقول: «على العكس، الذين مارسوا الشعبوية هم الذين تذرعوا بحاجات الناس والتعاطف مع مرضى السرطان ليطعنوا الدستور والميثاقية. وهم يعرفون أنّ من السهل جداً عليهم إحقاق الحقوق لأصحابها من دون هذا الانتهاك. والدليل هو موقف بكركي الشديد الوضوح في هذا الشأن، والذي جرت محاولات تسويقه سياسياً وإعلامياً على غير ما يعنيه».
وأما عن الادعاء بتوقيعه مرسوماً صادراً عن الجلسة، فيوضح حجّار أنّ بين يديه من الوثائق ما يدحض هذه الادعاءات. ويروي التفاصيل المتعلقة بهذه المسألة، فيقول: «الأمر يتعلق بمعالجة إجحاف طاول نحو 2000 موظف، يقعون تحت مسؤولية وزارتي، ولم يحصلوا على حقهم بقبض ضُعفَي الرواتب حتى نهاية 2022. فإثارة هذه المسألة لا تعود إلى الجلسة المذكورة بل إلى 17 تشرين الثاني الفائت، عندما سجَّلتُ طلباً لتصحيح الخلل في مديرية الموازنة، تحت الرقم 3797. وتمّ تسجيل المعاملة تحت الرقم 1130 في وزارة المال التي أصدرت بعد 4 أيام وثيقة إحالة بقيمة 41 ملياراً و175 مليون ليرة، لتغطية النفقات المطلوبة، ثم أصدرت مشروع مرسوم بذلك. ولأنّ الحكومة في وضعية تصريف الأعمال، يُفترض أن يحمل المرسوم تواقيع الوزراء الـ 24، قبل تحويله إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء. وفي مشروع المرسوم الذي تمّ إعداده، لا يَرِدُ اسم رئيس مجلس الوزراء إلا مرة واحدة.
بعد ذلك، وعلى مدى أيام، راجعتُ المعنيين في شأن المعاملة. وفي 2 كانون الأول الجاري، عرض عليّ الأمين العام لمجلس الوزراء محمود مكية أن يقوم هو بالاستحصال على تواقيع الوزراء، باليد. ثم أبلغني أنّ المعاملة عادت إلى المالية، فقمتُ يومذاك بتوقيعها لتأخذ طريقها إلى التنفيذ. ولكن، عصر ذلك اليوم، فوجئتُ بدعوة ميقاتي إلى عقد جلسة لمجلس وزراء، حُدِّد موعدها في 5 كانون الأول، بجدول أعمال يضمّ 64 بنداً ويغيب عنها المرسوم الذي يخصُّ وزارتي. وفي اليوم التالي، أتصلتُ به وسألته عن الأمر. فقلَّص الجدول إلى 25 بنداً كان آخرها هذا المرسوم».
ويضيف حجّار: «كان هاجسي دائماً هو التوازن بين أمرين: إحقاق الحق للموظفين من جهة وتجنّب الوقوع في خلل دستوري من جهة أخرى. ويعني ذلك إنجاز الملف بمرسوم جوّال لا بانعقاد جلسة لمجلس الوزراء. وأما بعد الجلسة، فالمراسلة الوحيدة التي جرت بيني وبين الأمين العام حول الملف فتحمل طابعاً إدارياً روتينياً لا أكثر».
وينفي الوزير حجّار وجود أي نية لديه للتعرُّض لمرجعية معينة أو لطائفة معينة. ويقول: «فقط فليحترم بعضُنا موقعَ بعضٍ، بالأفعال لا بالأقوال، إذا كنا نريد إنقاذ البلد من الأسوأ».