محمد بلوط - الديار
كانت القاعة المخصصة للحوار في الطابق الرابع من مبنى مجلس النواب جاهزة منذ بداية الاسبوع، لانعقاد الحوار النيابي حول الاستحقاق الرئاسي، سعيا الى الخروج من الجمود والمراوحة. لكن مبادرة الرئيس نبيه بري المتجددة اصطدمت بمعارضة «القوات اللبنانية» وممانعة او تحفظ التيار الوطني الحر، ما ادى الى انعقاد الجلسة العاشرة لانتخاب رئيس الجمهورية امس، التي انتهت كسابقاتها وسط اجواء من الرتابة والملل.
اراد بري ان يختم العام الجديد بجلسة حوارية تفتح آفاق التوافق، وتعزز فرص الخروج من الفراغ الرئاسي، لكن القطبين المسيحيين الكبيرين قطعا الطريق على هذه المحاولة مرة اخرى، لاسباب مختلفة عند كل طرف منهما.
وكما كان متوقعا، فقد جرى ترحيل جلسات الانتخاب الى العام الجديد بسبب عيدي الميلاد ورأس السنة، ولم يحدد بري موعدا للجلسة الحادية عشرة، التي يرجح ان تكون في مطلع السنة الجديدة.
ووفقا لمصادر نيابية مطلعة، فان رئيس المجلس ليس بصدد اجراء مشاورات نيابية جديدة في غضون الاسبوعين او الثلاثة المقبلة، خصوصا انه سعى مؤخرا الى انجاح المبادرة الحوارية، التي يعول عليها لتحسين اجواء وظروف الاستحقاق الرئاسي، لكنه واجه الموقف نفسه من «القوات» والتيار، على الرغم من التأييد النيابي الواسع لدعوته. وتقول المصادر ان «القوات اللبنانية» اتخذت موقفا متشددا ورافضا لانعقاد الحوار خارج جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، لانها لا تريد تقديم اوراق خارج الاطار الذي رسمته لترشح ميشال معوض، بانتظار انقشاع الصورة للاستحقاق داخليا وخارجيا.
اما التيار الوطني الحر، فان امتناعه عن تأييد مبادرة بري الحوارية يعود الى اسباب عديدة، منها تداعيات انعقاد مجلس الوزراء لحكومة تصريف الاعمال، والتباري مع «القوات اللبنانية» في الخطاب المسيحي الشعبوي ، وحرص رئيسه جبران باسيل على عدم الدخول في حوار حول الاسماء المرشحة في الوقت الراهن، ريثما ينهي عملية جس النبض التي بدأها في زياراته الى الخارج، سابقا الى باريس ولاحقا الى قطر.
وبفعل تلاقي الخصمين المسيحيين اللدودين على عدم التجاوب مع مبادرة بري الحوارية، تجدد يوم امس مشهد جلسة انتخاب الرئيس، مع بروز تعديل واحد تمثل بلجوء نواب التيار الوطني الحر الى التصويت لـ «الميثاق» بدلا من الورقة البيضاء، وبالتالي التمايز عن الثنائي «امل» وحزب الله وباقي الحلفاء.
وفي ضوء تعطيل مبادرة بري الحوارية، قالت المصادر النيابية ان احداث خرق جدي في جدار ازمة الاستحقاق الرئاسي، بات امرا صعبا وغير ملموس حتى الآن، مشيرة الى ان الاجواء الخارجية المتحركة ربما تؤدي الى اعادة تحريك الامور، وتراجع او مراجعة البعض في الداخل لمواقفهم وحساباتهم. لكنها اضافت ان التحرك الخارجي ما زال دون مستوى بلورة مبادرة واضحة، تتعلق بحسم الخيارات باتجاه هذا المرشح او ذاك، وربما يحمل مطلع العام الجديد اشارات في هذا الاتجاه.
وحضر الجلسة امس 109 نواب، وغاب عنها 19 بينهم 13 بعذر هم النواب: ادغار طرابلسي، شوقي الدكاش، نجاة صليبا، سجيع عطية، بيار بو عاصي، وضاح الصادق، سيمون ابي رميا، نبيل بدر، علي عسيران، جبران باسيل، اغوب بقرادونيان، الياس جرادي واكرم شهيب. ولم تشهد الجلسة مثلما حصل في الجلسات السابقة مداخلات او تدخلات نيابية، باستثناء تعليقات «سمجة» لا تزيد على عدد اصابع اليد، لم يعرها الرئيس بري اي اهتمام.
واسفرت عملية الاقتراع عما يأتي: 38 صوتا للنائب ميشال معوض، 37 ورقة بيضاء، 9 اصوات لـ «الميثاق»، 8 لعصام خليفة، 6 للبنان الجديد، صوتان لصلاح حنين، صوتان لزياد بارود، صوتان لـ «التوافق»، صوت لكل من شفيق مرعي، وميلاد ابو ملهب المرشح الفولكلوري الذي حضر الجلسة بلباس «بابا نويل» وهتف عندما سمع باسمه اثناء فرز الاصوات.
ووجد ثلاث اوراق اعتبرت ملغاة كتب عليها: «الاولويات الرئاسية»، «صارت مسخرة»، و»مارتن لوثر كينغ» (الزعيم الاميركي الثأئر ضد التمييز العنصري).
وبعد الدورة الاولى تبين ان النصاب قد فقد، وكان عدد النواب 79، فتلي المحضر ورفع بري الجلسة من دون الاعلان عن موعد الجلسة المقبلة مهنئا النواب بالاعياد.
مواقف نيابية
النائب علي حسن خليل اوضح ان بري سيستكمل دعوة المجلس للانعقاد بعد رأس السنة. ورأى «ان هناك مبالغة كبيرة في الحديث الاعلامي ولدى بعض الاوساط السياسية عن مشاريع وخطط خارجية، وربما هناك اهتمام من بعض الدول بالاستماع الى الموقف من انتخاب رئيس، ولكن لم نسمع من اي جانب خارجي موقفا حاسما تجاه اي مرشح من المرشحين». واشار الى ان الحوار الذي دعا اليه الرئيس بري معني بالتوافق على مرشح او مرشحين للوصول الى حلول.
واشار المرشح الرئاسي النائب ميشال معوض بعد الجلسة الى «ان لبنان قادر على الخروج من ازمته واستعادة دوره في المنطقة، وانا مقتنع باننا قادرون على التغيير». وقال انه سيستفيد في الاسبوعين او الثلاثة المقبلة لاجراء اوسع مروحة من المناقشة مع الكتل، مجددا التأكيد على اهمية توحيد المعارضة لاحداث خرق في الوضع القائم، داعيا هذه القوى الى تحمل مسؤولياتها في هذا الشأن.
وقال عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض «ان لحظة انجاز الاستحقاق الرئاسي لا تولد الا في ثنايا التوافق الوطني، وخريطة التوازنات النيابية تفرض ان يكون هناك حوار بين القوى». ولفت الى «ان خطوط التواصل مفتوحة بين القوى السياسية في فترة الاعياد، ولا حركة نشطة في الاتجاه الرئاسي، وتأجلت الامور الى العام الجديد».
ورأى النائب آلان عون»ان من يعطل عملية انتخاب رئيس للجمهورية هو من يتمسك بمرشح لا افق له ويستمر في التصويت لهذا المرشح لمرات عديدة من دون ان يصل، ويجب ان يحصل حوار بين الكتل».واكد على ضرورة «التوجه نحو الحوار لان لا حل آخر لدينا، وهناك عجز كامل يعبر عنه في الصناديق».
واعتبر زميله في التكتل غسان عطالله «ان اي فكرة خارج الميثاقية وخارج الشركة تضرب صيغة لبنان». واكد انه «لا بد علينا من الحفاظ على الميثاق، والرئيس بري دائما يحافظ على الشركة والميثاق».
واكد رئيس حزب «الكتائب» النائب سامي الجميل خلال عملية فرز الاصوات في الجلسة وحصول المرشح ميلاد ابو ملهب على صوت «انه ما فينا نذلّ الناس والبلد اكثر من هيك، شي بيقرّف».
واشار عضو كتلة «الكتائب» النائب سليم الصايغ الى «ان الحوار مبادرة قام بها الرئيس بري، ونحن تجاوبنا معها على شرط واضح ان يكون فيها بند واحد، وهو تفعيل العملية الانتخابية في مجلس النواب بجلسة واحدة، ومن ثم الانتقال الى انتخاب رئيس».
وقال عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب بلال عبدالله قبل الجلسة «يبدو ان البعض يحب الحوار في الخارج وليس في الداخل، وموضوع الانسحاب من الجلسات حق ديموقراطي وان كنا لا نوافق عليه. واكد «اننا مصرون على اسم النائب ميشال معوض بقدر اصرارنا على الحوار».
ورأى النائب عبد الرحمن البزري «ان التأجيل سيد الموقف ولن يكون قصيرا، وان لا ملامح لانتخاب رئيس للجمهورية بعد»، مشيرا الى «ان بداية السنة الجديدة غير واضحة المعالم».
واكد النائب قاسم هاشم «ان الامل يجب ان يبقى على التواصل والنقاش والحوار الوطني والداخلي والرهان على ما يجريه الخارج من اتصالات، يضع اصحاب شعارات السيادة والقرار الحر في دائرة الشبهة».
وقالت النائبة بولا يعقوبيان «ان الحوار هو مضيعة للوقت فالكل يعرف مواقف الجميع، ولا اعتقد ان هناك لزوما لان يكون هناك طاولة حوار»، لافتة الى «ان الحوار الذي يحصل في الخارج يمكن ان ينتج رئيسا، اما الحوار في الداخل فهو مضيعة للوقت».