الحرّة
تستفيق قطر في اليوم التالي لنهائي كأس العالم، من "الحلم" الذي عاشته طيلة فعاليات المونديال وقبله بعقد، إثر سحب اسمها من بين الأسماء المرشحة لاستضافة أكبر حدث رياضي لسنة 2022، وفق تقرير لوكالة بلومبيرغ.
تساءل التقرير عما إذا كان الحدث الكروي على أهميته يستحق كل تلك الأموال وجاء فيه: "بعد عشر سنوات، و300 مليار دولار، السؤال الذي لا مفر منه هو ما إذا كان الأمر يستحق كل هذا العناء"، ثم تابع "رغم القوة الناعمة التي حظيت بها الإمارة إلا أن العودة إلى الحياة الطبيعية ستجسد انحدارا ملحميا ملحميا".
وبعد شهر من أحداث متتابعة أملتها فعاليات كأس العالم واحتضان قطر لأكثر من 700 ألف زائر، ستعود البلاد الخليجية لتصبح فارغة نسبياً، حيث بدأ المشجعون بالفعل بالعودة إلى ديارهم، وكذلك أعداد كبيرة من العمال المهاجرين.
تقول بلومبيرغ في وصف الوضع في قطر "يشعر وكلاء العقارات بالقلق من أن الشقق ستبقى غير مكتملة، في حين أن الفنادق ستحتوي على وفرة من الغرف ولن يتم استخدام بعض الملاعب مرة أخرى".
وخلال الفترة التي سبقت انطلاق المونديال واجهت قطر انتقادات بشأن حقوق العمال المهاجرين والنفور من كل ما يرمز لمجتمع الميم، وذكرت أن "هذه الوقائع من غير المرجح أن تختفي من الذاكرة"، وفق تقرير بلومبيرغ.
إلى ذلك، لفت التقرير إلى أن قطر ذاتها، التي كانت عاصمة كرة القدم لوهلة، أصبحت الأسبوع الماضي موضوع وسائل الإعلام العالمية إثر "فضيحة جديدة ومدوية" تتعلق بتحقيق يخص قضية فساد في الاتحاد الأوروبي تنطوي على مزاعم رشوة، وهي اتهامات نفتها الدوحة بشدة.
والشهر المقبل سيعيد تسليط الضوء على كيفية تسليم أحد أكبر الأحداث الرياضية إلى دولة صغيرة في واحدة من أكثر المناطق ارتفاعا بدرجات الحرارة في العالم حيث تم رفع دعوى قضائية في الولايات المتحدة تتهم العديد من المسؤولين بتلقي مدفوعات لدعم استضافة قطر كأس العالم، بينما تنفي الأخيرة ذلك جملة وتفصيلا.
في هذا الصدد، ذكرت كريستينا فيليبو، المحاضرة في التمويل الرياضي بجامعة بورتسموث البريطانية للوكالة أنه "ستكون هناك بعض الفوائد طويلة الأجل للسكان المحليين في قطر".
واستدركت قائلة: "ومع ذلك، إذا كان الهدف كله هو إبراز قطر للعالم، أعتقد أنه كان هناك بعض الجوانب التي لا تعزز ذلك، لقد كانت حملة إعلانية باهظة الثمن ولست متأكدة من أنها كانت ناجحة بشكل خاص".
مع ذلك يعود التقرير ليؤكد أن "ليس هناك شكا في أن قطر أحرزت تقدما في مجال حقوق العمال بعد الانتقادات التي تعرضت إليها".
وفي 20 تشرين الثاني، أي قبل شهر من انطلاق البطولة، أخبر الأمير الحاكم، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، المشرعين المحليين أن بعض الانتقادات كانت مفيدة لتنمية البلاد.
لكنه رد أيضا على ما أسماه "حملة غير مسبوقة" مليئة "بالافتراءات والمعايير المزدوجة" بدوافع مشكوك فيها.
وسلطت الاستعدادات لكأس العالم الضوء على نظام الكفالة في منطقة الخليج للعمال الأجانب، وعلى الرغم من أن بعض الجدل حول حقوق الإنسان في قطر قد تلاشى منذ بدء الحدث، فإن بعض الجماعات التي تدافع عن العمال المهاجرين تؤكد أن الضغط يجب أن يستمر.
وأشارت إيزوبيل آرتش، مديرة برنامج الخليج في مركز موارد الأعمال وحقوق الإنسان في لندن، إلى أنه "يجب ألا تكون نهاية البطولة بمثابة إشارة إلى انتهاء التدقيق بخصوص الحقوق".
وتابعت في حديثها للوكالة "على الرغم من أن فيفا والحكومة القطرية دفعوا مرارا إلى الرواية القائلة إن إصلاحات العمل هي الهدف النهائي، فإننا نعلم من العمال أنفسهم أن التنفيذ لا يزال ناقصا بشدة".
وكان سعي قطر طويل الأمد هو أن تقوم البطولة بتحديث صورتها وجعلها وجهة سياحية وتجارية على قدم المساواة مع منافستها الإقليمية دبي.
ولطالما كان يُنظر إلى الأحداث الرياضية الكبرى على أنها حافز لتغيير المدن نحو الأفضل.
وكان يُنظر إلى أولمبياد برشلونة عام 1992 مثلا على أنها قصة نجاح رياضية نموذجية، حيث جلبت الألعاب البنية التحتية والسياحة التي كانت المدينة الإسبانية بأشد الحاجة إليها.
ومع تلاشي "الضجيج" الذي صاحب الحدث بعد أولمبياد أثينا مثلا أو بطولة كرة القدم الأوروبية في البرتغال، ازدادت الانتقادات بشأن تجاوز التكاليف حدها المعقول.
وتؤكد الوكالة أن الفائدة الاقتصادية المرجوة لاستضافة كأس العالم التي تُقام كل أربع سنوات لا تعكس الحقيقة، مع انعدام أدلة تدعم طفرة اقتصادية في أعقاب الحدث مباشرة، وفقا لورقة بحثية حديثة من جامعة ساري في المملكة المتحدة.
وذكرت أن وضع قطر لا يختلف عن الأمثلة السابقة، فحتى قبل انتهاء كأس العالم، تنتشر المباني الخالية في مناطقها التجارية والسكنية.
وزار حوالي 765 ألف مشجع قطر خلال الأسبوعين الأولين من البطولة، وفقًا للمنظمين، وهو أقل من 1.2 مليون شخص كانت الدوحة تأمل أن يحضروا.
ومع ذلك، لم يشعر الكثير من الذين قاموا بالرحلة بخيبة أمل، خصوصا بعد النتائج الصادمة التي حملتها بعض اللقاءات مثل فوز السعودية على الأرجنتين، وخروج ألمانيا المبك، وخسارة البرازيل في ربع النهائي أمام كرواتيا، وتأهل المغرب إلى نصف النهائي، ما أضاف "نكهة خاصة" للبطولة، وفق التقرير.
وقال جيسون دالي، وهو أميركي شارك في كل نهائيات كأس العالم منذ عام 2006 ويدير حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي توفر معلومات حول البطولة: "إنه لأمر رائع أن تكون قادرا على رؤية جميع الثقافات والأشخاص المختلفين" ثم أضاف "مقارنة بالبطولتين الأخيرتين من نهائيات كأس العالم، لاحظت سهولة المرور عبر الأمن والدخول إلى الملاعب كان سلسا بشكل لا يصدق".
وقال مسؤول حكومي قطري في تصريح لـ بلومبرغ: "لقد تحدت قطر المشككين الذين زعموا أنها لن تكون قادرة على استضافة كأس العالم بنجاح" ثم تابع "يعترف بعض النقاد الآن أن كأس العالم في قطر كانت كأس العالم الأكثر أمانا".
ومن غير الواضح كيف ستواصل قطر جذب السياح، بعد مغادرة الفائزين من مطار حمد الدولي، حيث سيتحول انتباه العالم بسرعة إلى أماكن أخرى، ويختتم التقرير بسؤال: "هل كان من المجدي صرف كل تلك الأموال؟".
من جهته يشير روس جريفين، الأستاذ المساعد في جامعة قطر إلى أن بعض مشاريع البنى التحتية كانت ستنجز سواء استضافت الإمارة البطولة من عدمه، مضيفا للوكالة: "لكنها وضعت موعدا نهائيا مناسبا لكل شيء".