"وكأنّني لست من البشر".. تمييز عنصري "منظم" ضد أصحاب البشرة السوداء في بيروت
"وكأنّني لست من البشر".. تمييز عنصري "منظم" ضد أصحاب البشرة السوداء في بيروت

أخبار البلد - Monday, December 12, 2022 8:59:00 PM

أسرار شبارو - الحرّة

"كانت صدمة كبيرة حين أطلعني حرّاس الأمن بأني ممنوعة من دخول "الزيتونة باي" في عطلة نهاية الأسبوع، أما السبب فكوني إثيوبية، حينها كان يجري فرزنا على أساس لون البشرة، شعرت أنني لست من البشر، بكيت، وسارعت بمشاركة ما حصل معي في بث مباشر على صفحتي في تيك توك".. كلمات قالتها روزا قدر، بشأن حادثة التمييز العنصري التي تعرضت لها. 

رفض أول حارس أمن إجابة روزا عن سبب منعها من دخول المنطقة التي تضم ممشى ومتاجر ومطاعم وملاهي، والتي تعتبر واحدة من أشهر المعالم التي تم تحديثها في لبنان، فانتقلت إلى البوابة الثانية من دون أن تتلقى إجابة كذلك، فما كان منها إلا أن توجهت إلى حارس الأمن الثالث، الذي أكد لها أن القرار صادر عن الإدارة.  

ما حصل، كما تقول ابنة الـ25 ربيعاً لموقع "الحرة"، "معيب، فقد كنت أهدف إلى تناول العشاء مع صديقتي التي تحمل هي الأخرى الجنسية الإثيوبية، حيث اعتدت أن أقصد المكان لتناول الطعام والتقاط الصور، لكن بعد ما واجهته لن أمر حتى من هناك، فكرامتي فوق كل شيء". 

قبل 8 سنوات قدمت روزا إلى لبنان بحثاً عن رزقها، عانت في السنة الأولى كثيراً حيث تعرضت كما تقول للضرب والحرمان من الطعام ومن التواصل مع عائلتها ومن راتبها، مما دفعها إلى الهروب من بيت كفيلها، لتعود وتحصل على جواز سفرها بعدما دفعت له 1500 دولار.

ومنذ 7 سنوات تعمل لدى عائلة تعتبرها فرداً منها، وتقول "ما حصل معي في الزيتونة باي دفعني إلى التفكير بالعودة إلى بلادي، إلا ان الامر ليس بهذه السهولة، فرغم أني أعشق إثيوبيا لكني كذلك أعتبر لبنان بلدي الثاني، ولدي عائلة فيه متعلقة جداً بها". 

حاول موقع "الحرة" التواصل مع إدارة " الزيتونة باي" من دون أن تجيب، أما محافظ بيروت، القاضي مروان عبود، فأصدر بلاغاً إلى جميع مستثمري المطاعم والفنادق والحانات والمسارح ودور السينما والنوادي والأماكن السياحية على أنواعها واختلافها في مدينة بيروت، جاء فيه "تبلغنا بفائق الأسف ببعض التصرفات الغريبة عن مجتمعنا اللبناني الذي يتميز بكرم الضيافة وذلك إثر منع بعض القيمين على مرافق سياحية دخول رواد من جنسية معينة". 

وطلب في بلاغه منهم "عدم التمييز بأي شكل من الأشكال والسماح للرواد بالدخول، خاصة وأن بلدنا مازال يحاول النهوض من كبوته الاقتصادية وأن أي عمل تمييزي يضر بشكل كبير بسمعة أهل بيروت وينعكس سلباً على معيشتهم".

كما شدد على أنه "يمنع منعاً قاطعاً قيام أياً كان باعتراض حرية التنقل لزائري الأماكن العامة المحصور الترخيص بدخولها فقط لبلدية بيروت تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة بحق المخالفين". 

وذكّر عبود بالإعلان العالمي لحقوق الانسان، الذي صوت عليه لبنان عام 1948، الذي نصت مادته الأولى على أنه "يولد جميع الناس أحراراً ومتساوين في الكرامة والحقوق، وهم قد وهبوا العقل والوجدان، وعليهم أن يعاملوا بعضهم بعضاً بروح الإخاء" كما أكدت المادة الثانية منه على اعتبار أن "لكل انسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات دون تمييز من أي نوع، ولاسيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين". 

"تمييز منّظم" 
ليست المرة الأولى التي يتم معاملة روزا بعنصرية، وتشرح "عدا عن أن العاملات المنزليات يمنعن من دخول بعض المسابح، فإن مطاعماً عدة تتقصد تأخير الطلبية لنا، وفي إحدى المرات سمعت الزبائن المتواجدين على الطاولة المقابلة يقولون (لم يكن ينقصنا إلا هي لتجلس هنا)، ومع هذا فقد وجدت تعاطفا كبيرا من قبل الشعب اللبناني حين عرضت ما حصل معي، كما تواصل عدد من المحامين معي عارضين تقديم شكوى ومتابعة القضية وهو ما سيحصل".  

ويركّز قرار إدارة "الزيتونة باي"، كما يقول أخصائي الاتصالات في حركة مناهضة العنصرية، كريم نوفل "على جنسية زائريها خلال عطلة نهاية الأسبوع، رغم أن غالبية العاملات المنزليات لا يمكنهن قصدها سوى يوم الأحد، هذه العنصرية تظهر وكأن تواجد العاملات خارج مكان عملهن يشكل تهديداً للآخرين، رغم أنهن زبائن كما بقية المتواجدين في المكان من بقية الجنسيات"، متسائلاً " لماذا لم يتم منع الأوروبيين والأميركيين وغيرهم من الدخول"؟ 

ويشدد نوفل، في حديث لموقع "الحرة"، على أن الأمر لا يقتصر على "الزيتونة باي"، إذ إن شهادات عدد كبير من العاملات المنزليات تثبت أن الأمر يطال المسابح والمطاعم والمقاهي وغيرها، وقد بدأت العنصرية في لبنان تطفو على السطح منذ سنوات، وبرزت بشكل كبير سنة 2012 عندما أضاءت حركة مناهضة العنصرية على منع إحدى العاملات من دخول مسبح في بيروت". 

وتنص المادة الأولى من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري على أنه "يقصد بتعبير التمييز العنصري، أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفصيل يقوم علي أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني، ويستهدف، أو يستتبع، تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة". 

وتنبع العنصرية، كما يقول نوفل "من ثقافة المجتمع، فالفوقية والطبقية مسيطرتان على عدد كبير من اللبنانيين، وثانيا من عدم تطبيق القوانين، فوزارة السياحة تمنع الممارسات العنصرية بحسب الجنس والدين والنوع الاجتماعي، لكن على أرض الواقع يبقى ذلك حبرا على ورق، لذلك يمكن القول إن التمييز العنصري في لبنان منظم وليس فردياً". 

من جانبها، تشدد رئيسة الشؤون القانونية والمناصرة في قسم مناهضة الاتجار بالبشر في منظمة "كفى"، المحامية موهانا إسحق على أن "العنصرية ظاهرة متمادية في الفكر الاجتماعي اللبناني، لا سيما تجاه عاملات المنازل، إذ لم نصل بعد إلى مرحلة احترام الإنسان وحقوقه بالفعل، من خلال اعتبار جميع الناس سواسية دون تمييز بينهم على أساس اللون أو الجنسية أو المعتقد". 

وتضيف في حديث لموقع "الحرة"، "للأسف نلمس الممارسات التمييزية بشكل كبير في مجتمعنا في المسابح والمطاعم والمقاهي وغيرها، ولا يمكن محاربة ذلك إلا من خلال إقرار قوانين صارمة، فرغم أن الدستور اللبناني الذي هو أسمى قانون في البلاد، يؤكد على المساواة بين الجميع، لكن المجتمع لا يواكب هذا النص، ولا المستوى العلمي والثقافي الذي وصل إليه اللبنانيون". 

التمييز بين الزبائن مرفوض، كما يقول نائب رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي، خالد نزهة، مشدداً على أن "كل الزبائن سواسية بغض النظر عن لونهم أو جنسيتهم أو لغتهم، وبالتالي يجب الحفاظ على كرامتهم عند قصدهم أي مرفق سياحي، فلبنان يضم مختلف الثقافات، وهو معروف منذ القدم بأنه الوجهة السياحية لمختلف الجنسيات". 

وبشّر نزهة اللبنانيين بأن موسم الأعياد واعد في لبنان، قائلاً في حديث لموقع "الحرة" "بعد نجاح موسم الصيف رغم ما يعانيه البلد من انهيار وغياب للخدمات وما يعانيه اللبنانيون من ارتفاع سعر صرف الدولار، واحتجاز أموالهم في المصارف وانعكاس ذلك على وضعهم الاجتماعي والنفسي، نتوقع أن يساهم المغتربون من جديد في ضخ الأوكسجين إلى البلد، وها نحن ننتظرهم لتمضية فترة الأعياد معهم وإن كان الموسم قصيرا لا يتعدى الأسبوعين". 

عنصرية بلا حدود 
إضافة إلى اهتمام روزا بالإضاءة على التمييز الذي تتعرض له العاملات المنزليات في بعض الأماكن، إلا أنه ما يهمها كذلك إرسال رسالة عن ما يعانيه عدد كبير من العاملات "من ضرب وحرمان من الرواتب وحجز تعسفي، حيث يتم وعدهن بأمور معينة قبل وصولهن إلى لبنان، ليتفاجأن باستعبادهن بعد وصولهن". 

ووصل التمييز إلى رائحة جسد العاملات المهاجرات، حيث رصدت حركة مناهضة العنصرية كما يقول نوفل "شهادات عدد منهن من مختلف الجنسيات، يتعرضن للتمييز العنصري بسبب رائحة جسدهن، رغم أن بعضهن يستحم أكثر من ربة المنزل، كما أنه يتم منعهن في بعض المتاجر من ارتداء الملابس قبل شرائها بحجة أن رائحة جسدهن ستفوح عليها، في حين أن مئات الأشخاص يرتدونها للتأكد من مقاسها قبل شرائها، لكن كونهن من عرق مختلف أو من طبقة مختلفة لا يسمح لهن بذلك". 

ولفت أخصائي الاتصالات في حركة مناهضة العنصرية، إلى الدور الذي تلعبه السلطة السياسية اللبنانية في تكريس هذه الثقافة "على رأسها الخطابات العنصرية تجاه العاملات المنزليات وتحميلهن واللاجئين السوريين مسؤولية الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان، بحجة أنهم يرسلون أموالهم ورواتبهم إلى عائلاتهم في الخارج، وذلك للتغطية عن الأسباب الحقيقية للأزمة ومنها السياسات المالية الخاطئة التي تم اعتمادها على مدى سنوات وتهريب مليارات المودعين إلى خارج البلاد، مع العلم أن عدداً كبيراً من العاملات يعانين نتيجة عدم دفع رواتبهن، حيث يستند أصحاب العمل على نظام الكفالة الذي يعطيهم سلطة غير محدودة تصل إلى حد تحرشهم بالعاملات من دون الخشية من أي عقاب، من هنا نسمع عن حالات هروب وانتحار في صفوف المهاجرات".  

في أكتوبر من العام الماضي أكدت الأمم المتحدة في تقرير أنه "بعد مرور عقدين على اعتماد إعلان وبرنامج عمل المؤتمر العالمي الأول لمناهضة العنصرية في ديربان بجنوب أفريقيا، لا يزال التمييز العنصري بجميع أشكاله قائماً، بل تفاقم في بعض الأماكن، إذ تواجه العاملات المهاجرات من مختلف الجنسيات في لبنان، تحدّيات جمّة، ويشكل عامل البقاء أبرز هذه التحديات، بعدما وجد هؤلاء أنفسهن بلا عمل نتيجة الأزمة الاقتصادية الأخيرة، واستمرار خضوعهن لنظام الكفالة الذي يجعلهن تحت رحمة أرباب عملهن". 

وتشير آخر أرقام المنظمات الحقوقية، كما ذكرت المنظمة الأممية إلى أنه يعيش في لبنان "نحو ٢٥٠ ألفاً من عمال الخدمة المنزلية، غالبيتهم العظمى من النساء اللواتي يحملن تصاريح عمل، وينحدر القسم الأكبر منهن من إثيوبيا، بالإضافة إلى الفلبين وبنغلادش وسريلانكا".  

"ضمانات" على ورق 
دعت "هيومن رايتس ووتش" لبنان، في يوليو 2020 ، إلى إلغاء نظام الكفالة، لافتة إلى مصادقة هذا البلد "على اتفاقيات منظمة العمل الدولية المتعلقة بحماية العاملات المنزليات: "اتفاقية إلغاء العمل الجبري" رقم 105 التي وقعها لبنان عام 1977، والاتفاقية رقم 111 "بشأن التمييز في مجال الاستخدام والمهنة"، التي تحظر أي تمييز على أساس الجنس في الاستخدام وظروف العمل، وقد وقعها لبنان في ذات العام. 

واعتبرت أن "استثناء لبنان العاملات المنزليات من الحماية القانونية التي تشمل العمال والعاملات الآخرين يخالف مبدأ عدم التمييز المكرس في القانون الدولي"، إذ يحظر القانون الدولي لحقوق الإنسان "كل تمييز على أساس العرق، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الآراء السياسية وغيرها، أو الجنسية أو المنشأ الاجتماعي، أو الملكية، أو الولادة، أو أي حالة أخرى. القوانين، والقواعد، والسياسات، والممارسات التي تبدو محايدة قد تكون تمييزية إذا كان أثرها كذلك". 

وأضافت "استثناء فئة كاملة من العمال والعاملات، ومعظمهم نساء أجنبيات، من المساواة في حماية قانون العمل يشكل تمييزا على أساس الجنس وبلد الأصل – 97% من العمالة المنزلية نساء، بحسب إحصاء وزارة العمل اللبنانية في 2009. يخالف ذلك التزام لبنان بـ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، ولبنان طرف فيها منذ 1997، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، ولبنان طرف فيها منذ 1971" مشددة " تشترط الاتفاقيتان إلغاء أشكال التمييز الخاصة بكل منها (الجندري والعرقي، بما في يشمل بلد الأصل) في جميع المجالات، ومنها التوظيف." 

وتتساءل روزا: "أين الخطأ في البشرة السمراء؟ أليس أصحابها مخلوقات الله"؟  مؤكدة على أن "الإنسان المؤمن أياً يكن دينه لا يجب أن يفرّق بين البشر بسبب لون البشرة وغيره، وأكبر رسالة عن ذلك اختيار النبي محمد بلال الحبشي ليكون مؤذنه".  

ويصف نوفل خطوة محافظ بيروت بالجيدة "لكن في ذات الوقت لا نعلم مدى فعاليتها على أرض الواقع، إذ ذكر في بيانه معاقبة المخالفين من دون تحديد ماهية هذه العقوبات"، مشدداً على أن "البلاغ ركّز على موضوع سمعة لبنان أكثر مما شدد على العنصرية التي تتعرض لها المهاجرات والعاملات المنزليات"، والمطلوب كما يقول "سياسات وقوانين واضحة وصارمة تجرّم العنصرية".  

وعن تعاطف بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي مع ضحايا التمييز العنصري، اعتبر نوفل أنه "نوع من العدالة الاجتماعية في ظل غياب العدالة القضائية في الوقت الحالي إما نتيجة إضراب القضاة، أو الفساد الذي ينخر الجسم القضائي، وهو يمنح ضحايا التمييز والعنصرية مساحة آمنة لهن لتوثيق ما يتعرضن له والحديث عنه". 

أما إسحق فتشدد على ضرورة اتباع "الوزارات المعنية الخطوة التي اتخذها محافظ بيروت، لا سيما وزارة العمل، التي يقع على عاتقها إصدار قرارات تمنع أي شكل من أشكال التمييز، كما يجب على وسائل الإعلام لعب دور أكبر في تسليط الضوء على هذه الممارسات، حتى تتغير هذه الذهنية، ويصبح لدينا ثقافة اجتماعية غير تمييزية، فلا يمكن أن نرتقي بالبلد ما لم نرتق بتفكيرنا، فعلى الإنسان أن يبدأ بنفسه وبمحيطه لنصل إلى تغيير فعلي وجذري". 

| لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp) اضغط هنا

 

تسجل في النشرة اليومية عبر البريد الالكتروني