فانيسا مرعي - الأخبار
بات أهالي قضاءَي كسروان وجبيل يخشون الاستماع إلى أخبار الطقس. لم يعد المطر فأل خير، منذ توالت تجاربهم مع السيول والفيضانات خلال الشهرين الفائتين، متسبّبة بنزوح البعض من منازله وبخسائر مادية لم يتطوّع أحد لتعويضها بعد
قبل عشرة أيام، في 29 تشرين الثاني الماضي، لم يتمكّن سكّان كسروان وجبيل، والعابرون في هذين القضاءين، من التمييز بين البحر والبرّ. غرقت الطرقات والبيوت والمحالّ والسيّارات في السيول نتيجة غزارة الأمطار يومها، فاختبروا إذلالاً إضافياً لم يقتصر على الطرقات بل طاول البيوت.
نزوح من المنزل
غادر إدمون بدران وعائلته منزلهم في ساحل علما، بعدما ألحقت به السيول ضرراً كبيراً في تلك الليلة. كلّ شيء تضرّر، من الأثاث إلى الأبواب، بالإضافة إلى حاسوب لم يعد صالحاً للعمل كان قد اشتراه حديثاً لابنه لحاجته إليه وكلّفه مبلغاً كبيراً. أمام هذه الخسائر، يكتفي بدران بالقول: «الله بعوّض علينا»، علماً أنّها ليست المرّة الأولى التي يتعرّض فيها منزله لكارثة الفيضان. «منذ 4 سنوات حصلت الحادثة نفسها، وعالجنا الوضع حينها بإنشاء قناة للمياه، لكنّ منسوب المياه هذه المرة كان مرتفعاً جداً».
التجربة الصعبة نفسها عاشها جاد ضاهرية، الذي اضطرّ بدوره إلى ترك منزله في ساحل علما لاستحالة السكن فيه، وانتقل مع أسرته للمكوث في مكان آخر. يروي ضاهرية كيف اجتاحت المياه منزله في الطابق الأرضي بعدما كسرت زجاج إحدى النوافذ واخترقتها. «تحوّل البيت إلى بحيرة، قيمة الخسائر تفوق الـ40 ألف دولار، فالمحتويات تضرّرت كلياً، الجدران والأرضيّة في حالة يرثى لها... حالياً نعيد تجهيز البيت بكامله من جديد ويحتاج إلى شهر على الأقلّ ليعود قابلاً للسكن».
أضرار لا تُحصى
منطقة غزير لم تسلم من التداعيات الكارثية للفيضانات. عدد من بيوتها ومتاجرها غمرته المياه، فواجه أصحاب محالّ تجارية مشكلة توقّف أعمالهم، واضطرارهم إلى إتلاف بضائعهم. تشير صاحبة محلّ ألبسة للأطفال في كفرحباب كريستال نصر إلى أن حاسوباً وبعض الألبسة والألعاب الموجودة في محلّها تضرّرا وقيمة الخسائر التي تكبّدتها تتخطّى الألف دولار.
السيول ذكّرت ريتا الخوري، القاطنة في غزير، بمشهد مماثل حصل قبل أربع سنوات، لكنّه كان أخفّ وطأة. تقول إنّهم أنشأوا حينها حائط دعم وقناة للمياه، لكنّ كميّة المياه هذه المرّة «كانت هائلة»، فهدمت الحائط واجتاحت مستودعاً في الطابق السفلي من المبنى ومكتب الهندسة الذي تملكه والذي يقع في الطابق الأول، متسبّبةً بأضرار في الحواسيب. كذلك، تعطّلت سيّارتها بعدما غمرتها المياه. بالنسبة إلى الخوري «الأضرار لا تُحصى، وما حدا دقّ بابنا للتعويض علينا».
وهذا أيضاً حال كلّ من عائلتيْ بدران وضاهرية اللتين لم تتلقيا اتصالاً من أي ّ أحد ليسأل عن وضعهما أو عمّا تحتاجان إليه، إنّما اكتفى فريق من بلدية جونيه بالكشف على الأضرار.
حبيش: أخطاء في البنى التحتية
يعيش سكان ساحل علما وغزير وكفرحباب والجوار في قلق وتخوّف من تكرار المشهد كلّما أمطرت، وهو ما لم يستبعده رئيس اتحاد بلديات كسروان - الفتوح ورئيس بلدية جونية جوان حبيش الذي رأى، في حديث مع «الأخبار»، أنّه «في حال أمطرت بالغزارة نفسها، أي 105 ملليمترات في الساعة كما حصل، فما من بنى تحتية يمكن أن تتحمّل كمية المياه هذه». ويوضح حبيش أن «الفيضانات حصلت في ساحل علما وحارة صخر وغدير على ثلاثة مستويات: الأحراج أيّ الجبل، محيط الأوتوستراد الساحلي، وبمحاذاة الطريق البحرية». وأعلن أنّ الشرطة البلدية تقوم بعملية مسح لتقويم الأضرار في البيوت والمحالّ التجارية. أمّا عن التعويض على المتضرّرين، فشدّد على أنّه «من مسؤوليّة الهيئة العليا للإغاثة، وإذا لم تتواصل معنا الهيئة في الأيام المقبلة، فسنرفع لها كتاباً مفتوحاً بلوائح أسماء المتضرّرين».
يحرص حبيش على التأكيد أن البلدية تقوم بواجبها بشكل كامل، كاشفاً أنه راسل وزارتي الأشغال والطاقة لتتحمّل كل إدارة مسؤوليتها، معلناً نتائج المسح الذي أجرته فرق الهندسة التابعة للبلدية، لمعرفة الأسباب التي أدّت إلى هذه السيول، «تبيّن وجود أخطاء في البنى التحتية، إن على الأوتوستراد الساحلي، أو على الطرقات الرئيسيّة التي تربط بين الضيع، أدّت إلى تجمّع المياه في نقاط معيّنة». واستباقاً لما قد يأتي لاحقاً «فتحت البلدية ممرّات ساحليّة باتجاه البحر سبق أن أُقفلت نتيجة إنشاء أبنية، كما نعالج موضوع الأودية التي سُدّت بسبب التراب والحجارة»، داعياً إلى «إتمام تعديلات على صعيد البنى التحتية الأساسيّة لتتماشى مع التغيّر المناخي الحاصل».
حالات: تضرّر 25 منزلاً
قضاء جبيل، المجاور لقضاء كسروان، كانت له أيضاً حصّة من هذه المصيبة، وقد تفقّدت قائمّقام جبيل نتالي مرعي الخوري الأضرار في بلدة حالات التي تُعدّ الأكثر تضرّراً. «كأنّ تسونامي ضربت البلدة، إنّها المرّة الأولى التي يحدث فيها هذا الأمر»، يصف رئيس بلدية حالات المحامي توفيق الراعي المشهد، مشيراً إلى أن أكثر المواقع تضرّراً في البلدة هو: حيّ بيت البومة، طريق مار جريس، ومنطقة زلحميا. ويكشف الراعي لـ«الأخبار» أنّ «ما يقارب 25 منزلاً تضرّرت وقيمة الخسائر في البيت الواحد لا تقلّ عن مبلغ الألف دولار، عدا متاجر ومستودعات يفوق عددها العشرة. كما أن الطرقات أصبحت منكوبة وتحتاج إلى تعبيد، فيما نعمل منذ أسبوع على إعادة فتحها بعدما أُقفلت بسبب الردم».
التعويضات في ملعب البلديات
ولكن... ماذا عن التعويضات للمتضرّرين؟
يؤكّد الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء الركن محمد خير لـ«الأخبار» أنّه لا داعي لإصدار تعميم جديد بشأن التعويض على المتضرّرين من الكوارث، ويذكّر بأنه «سبق أن رفعنا العام الماضي كتاباً إلى وزارة الداخلية، طلبنا فيه التعميم على جميع البلديات برفع لوائح تضمّ معلومات عن المتضرّرين خلال عشرة أيام بعد أيّ كارثة تستوجب الإغاثة في حال حصولها، وهذه التعاميم لا تزال سارية المفعول».
وانطلاقاً من ذلك، يرى خير أنه «من المفترض أن ترفع البلديات المعنيّة إلى الهيئة لوائح تتضمّن معلومات عن المتضرّرين لكي تتحرّك وفقها، مع فرقة مختصة من الجيش، تحدّد قيمة الأضرار بهدف رفعها إلى مجلس الوزراء الذي يتّخذ القرار بشأن التعويض من عدمه». ويوضح أن «الهيئة تنفّذ قرارات مجلس الوزراء، وبالتالي التعويضات يمكن أن تُعطى في حال اجتماع المجلس والموافقة عليها أو بقرار استثنائي صادر عن رئيس الحكومة ووزير المالية معاً». ولا يفوت خير أن يذكّر، في سياق حديثه، إلى أن «الهيئة لم تتمكّن من دفع بعض التعويضات منذ عام 2016 حتى اليوم بسبب عدم تحويل الأموال المطلوبة».
من يعوّض غياب الأحبة؟
إذا كانت الخسائر المادية قابلة للتعويض، فمن يعيد الأرواح التي سقطت؟
الفيضان الأخير أحيا جروحاً لم تُضمد بعد لدى عائلة الراحل رامز مخّول (87 سنة)، الذي جرفته السيول على طريق ذوق مصبح قبل شهر تقريباً، في 23 تشرين الأول الماضي.
«قلبي منشّف. الغالي راح... خسارتنا كبيرة»، هكذا يعبّر الابن روبير عن وجعه، هو الذي لم يتلقَّ أي اتّصال رسمي يواسيه ويعزّيه برحيل والده. نبرة صوته الحزينة تفضح خذلانه، لكنّه يكتفي بتكرار جملة «نثق بالدولة والقضاء».
لا يزال أبناء رامز الستّة يعيشون في حالة صدمة، لكنّهم لم يخبروا والدتهم لولو التي تعاني نشافاً في الرأس الخبر الموجع. هي لا تعرف حتّى اليوم أنّها خسرت شريك حياتها، وعندما تسأل عنه تتلقّى إجابة بسيطة تقيها الألم: «رامز في الضيعة» (بلدتهم ضهر الليسينه في عكار). يقول روبير: «مات والدي أمام عينيّ ولم أتمكّن من إنقاذه، لا نريد أن نخسر لولو أيضاً».