الأخبار
التهدئة في التخاطب هي عنوان المرحلة الآن بين حزب الله والتيار الوطني الحر. لكن «الله أعلم كيف سيكون موقفنا في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية» اليوم، على ما قالت مصادر رفيعة في التيار الوطني الحر لـ«الأخبار». وفيما رفضت الإشارة إلى ما إذا كان نواب تكتل لبنان القوي سيستمرون في التصويت بورقة بيضاء، اكتفت بالقول: «القرار لدى النائب جبران باسيل، وسيتبلّغه النواب في اللحظات الأخيرة»، مؤكدة أنه «في شي جديد».
في غضون ذلك، تعمّد حزب الله عدم التعليق على تصعيد باسيل في مؤتمره الصحافي أول من أمس، خصوصاً أن رد الفعل هذا لم يكن مفاجئاً. غياب المسؤولين في الحزب عن الواجهة كان بقرار، فيما القلّة التي تطوّعت للرد التزمت «تعميماً» داخلياً بـ «كظْم الغيْظ»، والتريث في الخوض في النتائِج المحتملة لغضب باسيل، في انتظار رصد أبعاد المضمون السياسي لما قاله، مع التأكيد على «التمسك بالتحالف معه».
وإذا كان حزب الله يتصرف على قاعدة تفهّم غضب رئيس التيار، فإن ذلك ينطلق من اعتبار الحزب أن الأخير يعلم تماماً، كما الحزب نفسه، بأنه لا يمكن التضحية بتفاهم سياسي كانت له نتائج كبيرة على المستوى الوطني. وإذا كان الانفصال وفكّ التفاهم مضراً بحزب الله، فإن باسيل يدرك بأن الضرر على التيار سيكون كبيراً أيضاً. وعليه، فإن الطرفين محكومان بالتفاهم على استمرار التفاهم، مشيرة إلى أن «تفعيل الخط الساخن بين الطرفين لم يحن وقته بعد».
أما باسيل، من جهته، فقد بادر إلى تبريد بعض الرؤوس الحامية التي طالبت في المجلس السياسي للتيار أمس بـ«الإعلان فوراً عن فك التفاهم»، وحض القيادات والمناصرين على عدم الذهاب بعيداً في النقد والمزايدة. وحرص على إبلاغ كل المعنيين داخل التيار بوجوب التزام السقف الذي حدده في مؤتمره الصحافي أول من أمس، وعدم «الشطح» في المزايدة أو الذهاب أبعد، في ظل ارتياح وتأييد عونيين عارمين للتمايز في هذه المرحلة وتكريس الاستقلالية المطلقة في الخيارات.
ونقل زوار باسيل عنه قوله إن انعقاد جلسة مجلس الوزراء «كان رسالة، وقد تم الرد عليها بشكل واضح ومباشر من دون مواربة أو لف ودوران كما يفعل آخرون»، مع اعتياد التيار على رد فعل الحزب في حالات مشابهة، لجهة الانكفاء وعدم التعليق. وتلفت مصادر في التيار إلى أن «تجربة التحريض أو القصاص جربها خصوم التيار منذ عام 2006 على مرأى من الحزب ومسمعه، وهو يعرف جيداً أنها لا تقود مع التيار إلا إلى نتائج عكسية بالكامل».
لكن ذلِك لم يقلّل من أهمية بعض الخلاصات الناتجة من موقف التيار الحاد خصوصاً في ما يتعلق بالملف الرئاسي. فقد اعتبرت مصادر مطلعة أنه «لا يُمكن أن يكون الموقف الحاد لباسيل مرتبطاً بانعقاد جلسة مجلس الوزراء فقط، بل كانت بالنسبة إليه محطة لإيصال رسالة بأن لا مجال للتشاور في ترشيح رئيس حزب المردة سليمان فرنجية وضرورة البحث في خيار آخر»، وهو ما يمكن أن تتبلور بعض ملامحه في مناورة جديدة في جلسة اليوم.
وقالت مصادر التيار إن «التكتل لم يكن قد توصل حتى ليل أمس إلى قرار بشأن الجلسة، لكن النقاش كانَ مفتوحاً على خيارات كثيرة من بينها مقاطعة الجلسة أو التخلي عن الورقة البيضاء والكشف عن اسم مرشحنا الرئاسي».
وقد تداول بعض النواب العونيين باقتراح تصويت التكتل أو نصفه للمرشح ميشال معوض، لكن وجهة نظر باسيل تقول إنه لن يبادل الأخطاء التكتيكية بأخطاء تكتيكية مماثلة، ولن يرد الخطأ الاستراتيجي بخطأ استراتيجي، وإن كان يرى أن الوقت حان للتمايز بالتصويت، طالما أن أهداف كل من المجموعتين من التصويت بالورقة البيضاء ليس هو نفسه.
وبمعزل عن الرسالة السياسية التي أراد باسيل توجيهها، أول من أمس، كردّ أولي على عقد جلسة حكومية من دون التنسيق معه أو رغماً عنه، فإن ما استقاه التيار من هذه الجلسة يتمحور حول «إمكانية إدارة البلد من دون رئيس جمهورية وأن الأولوية اليوم عند حزب الله هي لتسيير أمور الحكومة المستقيلة لا لانتخاب رئيس». هذه المقاربة استفزت باسيل ومعه نواب التيار الذين سمعوا من رئيس التيار أن أي افتراض بأنه يمكن للقوى السياسية الممثلة بالترويكا، وإلى جانبها حزب الله، التعامل مع الفراغ الرئاسي كأمر طبيعي و«بيجي عمهلو»، وأنه يمكن للدولة أن تعمل بشكل عادي لا بل تعيد حكومة منتهية الصلاحية إلى الحياة، سيتم منعه بكل الوسائل المتاحة أكانت سياسية أو شعبية أو قضائية. من هذا المنطلق، يصبح لرفض باسيل لانعقاد جلسة عامة لمجلس النواب لأي سبب باستثناء انتخاب الرئيس، بعدان:
1- رد فعل مباشر على تأمين الغطاء للجلسة الحكومية والإطاحة بما سماه الشراكة الوطنية المنصوص عنها في الطائف والتي تتطلب وجود رئيس جمهورية يمهر المراسيم بتوقيعه ولا يحل محله وزير أو رئيس حكومة.
2- الإطاحة مسبقاً بأي طموح لميقاتي أو غيره بعقد جلسة أخرى عبر التأكيد أن التشريع معطل كما العمل النيابي وكل المعارك والقضايا الملحة إلى حين انتخاب رئيس. بالتالي لا أولوية تعلو فوق هذا الموضوع. اللافت أن رد الفعل العوني هذه المرة ليس مصوباً في وجه ميقاتي أو بري إنما حصراً في وجه حزب الله، شريك وحليف التيار الأساسي. بمعنى أن تفرّد الحزب بعقد جلسة حكومية يدرك مسبقاً حجم ضررها على الموقع المسيحي الأول وعلى ما جرى الاتفاق عليه في مجلس النواب، يعني «تقصّد توجيه ضربة موجعة إلى باسيل مغلفة بعناوين إنسانية». لذلك كانت مقاطعة التيار العامة والشاملة لما يراه حزب الله أولوية، بمثابة ردّ على اعتبار الحزب مسألة الرئاسة غير ملحة ويمكنها الانتظار. كما حرص التيار على تعطيل كل المسارات الفرعية إلى حين إنجاز الانتخابات ولو تطلب الأمر تحالفات مستجدة بين الخصوم.
لكن ثمة من يوضح هنا أن موقف التيار أول من أمس وأمس وغداً هو نفسه الموقف السابق بضرورة تحوّل مجلس النواب إلى هيئة انتخابية فقط، بالتالي الامتناع عن البحث بأي شأن آخر. المستجدّ اليوم، هو بدء ربط الموقف العوني بمواقف القوات والكتائب والمستقلين الذين يدورون في فلك 14 آذار من ناحية التوافق على أولويات ملء الفراغ الرئاسي. ولا شكّ أن البطريركية المارونية لعبت دوراً سريعاً للخروج بموقف مسيحي موحد وجامع بين كل هذه القوى أكان قبيل عقد الجلسة أو بعدها. ترجم الأمر لاحقاً في رفض القوات، حليف بري الرئيسي، حضور الجلسة العامة التي عيّنها رئيس مجلس النواب للبتّ في عريضة الاتهام حول وزراء الاتصالات، ما دفع بري إلى الرضوخ وتأجيلها. حصل ذلك رغم حضور النائب جورج عدوان لاجتماع هيئة مكتب المجلس والاتفاق خلال الاجتماع مع لجنة الإدارة والعدل ورئيسها على حضور الجلسة ومبادرة عدوان إلى التداول باسم مرشح من قبل القوات لتمثيلها في لجنة التحقيق النيابية المعتزم تشكيلها خلال الجلسة. قبل أن تعلن معراب مقاطعتها بشكل مفاجئ لها «من منطلق فرض ضغط سياسي لانتخاب رئيس لأن كل القضايا الأخرى يمكن أن تنتظر، والأجدى تحويل كل الجلسات إلى جلسات انتخاب». هكذا نجحت الأحزاب المسيحية الثلاثة المتناحرة في ما بينها، في تسكير مجلس النواب ومنع انعقاده، ولعب التيار على هذا التوافق الآني لتوجيه ضربة مضادة إلى بري عبر شركائه. علماً أن الأحزاب الثلاثة تفصل ما بين عمل اللجان النيابية حيث سيستمر النواب بالحضور وبين الجلسات العامة، من ناحية تطرق اللجان إلى تحضير القوانين والبحث بموادها من دون القدرة على إقرارها.