إبراهيم ناصر الدين - الديار
هل التمايز بين حزب الله والتيار الوطني الحر جديد؟ بالطبع كلا. هل عدم الانسجام حول المواقف الداخلية وحتى الاستراتيجية جديد؟ الجواب هو بالنفي مرة جديدة. اذا لماذا يحمل رئيس تكتل لبنان القوي جبران باسيل الامور اكثر مما تحتمل على خلفية انعقاد جلسة حكومية «استثنائية» في زمن الشغور الرئاسي؟ وهل حقيقة تفاهم «مار مخائيل» في خطر؟ انها اسئلة «عبثية» تصل الى حد «التفاهة» السياسية برأي اوساط مطلعة بدقة على مسار العلاقة بين الطرفين. لماذا؟ لان ما يجري ليس جديدا، وهو جزء من ملء القوى السياسية للفراغ المؤسساتي في البلد بمعارك وهمية تعبرعن مأزق لدى الجميع. فهل طبيعة المعركة الدائرة بين باسيل من جهة والرئيسين بري وميقاتي من جهة ثانية ذات طابع استراتيجي بين من يريد محاربة الفساد ومن يغطيه؟ ماذا عن ايام «العسل» حين كان الجميع راضيا بتقاسم المغانم؟ وهل من يصدق ان «التيار» يخوض معركة الحفاظ على حقوق المسيحيين والرئاسة الاولى بينما حزب الله «طعنه» في «الظهر» بتغطية الجلسة الحكومية؟ ببساطة لا صحة لكل ما يقال في هذا الصدد وكل ما يجري لعبة مصالح سياسية ضيقة تستخدم لشد العصب الطائفي، وكل ما يقال غير ذلك مجاف للحقيقة.
فلا المسيحيين في خطر، ولا دورهم مهدد، والمفارقة في هذا المجال ان ميقاتي كمتهم اول في «الجريمة» لا يمثل الشرعية السنية، ولا يخوض الحرب مع «التيار» باسمهم، مع العلم ان السنية السياسية تمر اليوم باسوأ مراحلها وتحتاج الطائفة برمتها الى ضمانات والى من يطمئنها و»يطبطب» على كتفها بعدما اصابها من ضرر كبير بعد خروج «المستقبل» من الحياة السياسية، وتشرذم قياداتها، وغياب الرافعة الخارجية. اما الرئيس بري المتهم بادارة وتحريك «الحرب» ضد «التيار» فلا يخفي عداءه السياسي ويخوض معركة «كسر عضم» علنية قبل، وخلال، وبعد وصول الرئيس ميشال عون الى الرئاسة، لكن ليس لانه يريد الهيمنة على الدور المسيحي، وانما ببساطة لا يتفق مع الحجم الذي يطالب به «التيار» في «كعكة» المحاصصة في البلاد، ويعتقد انه «منفوخ» اكثر من حجمه الطبيعي «بعضلات» حزب الله. ولكل ما سبق لم يتعهد الحزب منذ اليوم الاول للتفاهم بتبني المواجهات السياسية التي يخوضها حليفه «البرتقالي» الذي يدير «لعبة» مصالح على حجمه، ومعاركه السياسية الداخلية لم تستثن احدا، وهو في هذا الاطار مع كل محطة مفصلية، يرفع تفاهم مار مخائيل الى مصاف الاتفاق الاستراتيجي غير القابل للطعن والمراجعة اذا وافقه الحزب على ما يريده، وفي حال العكس يصبح الاتفاق بحاجة الى اعادة نظر وصياغة.
ولذلك ما يحصل اليوم ليس حدثا استثنائيا، بل تكرار لعرض مسرحي ملّ منه الجمهور، فلا قيمة لاي «رسائل» من قبل التيار الوطني الحر للخارج من خلال افتراض ان باسيل يتقصد اظهار التمايز عن حزب الله، «لمغازلة» الاميركيين، اولا، تأخر كثيرا ولم يعد يمثل الثقل المؤثر بعد خسارة السلطة، ولا يملك ما يمكن ان يقايض عليه، لان الاقوى هو من يفاوض عادة ويحصل على المكتسبات. وثانيا، لا احد يصدق انه فعلا قرر اخيرا الخروج من «عباءة» الحزب، لانه بالفعل ملاذه الاخير، ولا سند حقيقي له على الساحة الداخلية، والخارجية. ولهذا فما حصل ببساطة شديدة، ان باسيل يشعر بالضعف بعد خسارة توقيع رئيس الجمهورية، وهو مرة جديدة يدفع ثمن حسابته الخاطئة، اراد استعراض «عضلاته» في معركة اعتبرها سهلة لتسجيل النقاط على كل من ميقاتي وبري، مراهنا على وجود «الثلث المعطل» في جيبه، بينما كانت «مياه» الوزير بوشكيان تجري من تحت اقدامه، رفض نصائح حليفه الذي طلب منه عدم ارتكاب اخطاء في غير مكانها، وعدم تحميل الامور اكثر مما تحتمل، لكنه تمسك بموقفه مع العلم ان حزب الله حاول المساعدة وضغط على رئيس الحكومة ونجح في تقليص بنود الجلسة الى حدها الادنى. فهل من المنطقي تحميل الطرف الآخر سوء ادارة معركة هي اصلا لم تكن موجودة؟
لكن هل كان بمقدور حزب الله ان يجنب حليفه هذه «الكأس المرة»؟ بالطبع نعم. تقول تلك الاوساط، مجرد «التلويح» بالمقاطعة كانت كفيلة بتطيير الجلسة. لكن الحزب لم يفعل ذلك لثلاثة اسباب. الاول، انه مقتنع بضرورة انعقادها لما لها من فوائد على المستوى الاقتصادي والمعيشي. ثانيا، لم يقتنع بحجج «التيار» حول الخطر المفترض على رئاسة الجمهورية. ثالثا، والاهم انه ارادا توجيه «رسالة» واضحة لرئيس التيار الوطني الحر مفادها ان تجاوز حدود التحالف والشركة لن يكون بعد اليوم من طرف واحد. اي ان حزب الله صحح بالفعل «قواعد اللعبة» ولم يغيرها مع حليفه دون ان يسقط التفاهم الذي سيصمد لاعتبارات كثيرة لا مجال لسردها، وقد يكون اهمها انعدام خيارات باسيل الذي تجاوز في محطات كثيرة الكثير من «الخطوط الحمراء» مع الحزب تحت عنوان «التمايز» الصحي، مرورا بتفاخره انه لا يقبل الضغوط من الحليف، ووصولا مؤخرا الى عدم وجود «مونة» من السيد نصرالله عليه في ملف انتخابات الرئاسة وقبلها في الانتخابات النيابية. وهنا جاء جواب حزب الله واضحا عبر محطة الجلسة الحكومية، «لم تقنعنا، ولا نرضخ للضغط، ولا نتنازل عن قناعتنا «بالمونة»، فاين الخطأ بذلك؟ انها الخطوط العريضة للعلاقة التي يؤمن بها باسيل ويمارسها جهارا، واليوم بدأ حزب الله الالتزام بها، بعد طول معاناة من حليفه الذي يريد الزامه بها ولا يريد تطبيقها، واليوم تساوى الحليفان وتم تصحيح الخلل وليس العكس.
في الخلاصة، حزب الله لن يتخلى عن سياسية «استيعاب» حليفه، ولن يتخلى عن سياسة «النفس الطويل» في التعامل مع رئيس «التيار» الذي يخوض معركة وجود سياسية لا طائفية، وآخر الادلة برزت في سياسة «ضبط الاعصاب» حيال حرب باسيل الشعواء على خيار الحزب الرئاسي وخروجه عن كل «آداب» اللياقة في التعامل مع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله عندما كشف ما دار من حوار ثنائي معه، كان قد اتفق ان يبقى بعيدا عن الاعلام، حول مسألة ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. الاختلافات اليوم ليست الاولى، ولن تكون الاخيرة، الخطوط العريضة للعلاقة بين الطرفين معروفة ولا جديد فيها، حزب الله اعاد تصحيح «الاعوجاج» بالتساوي مع شريكه في حق الرفض والقبول، تفاهم مار مخايل، ربما يترنح، او يتصدع، لكنه لن يقع، وما يجمع «التيار» بحزب الله اعمق بكثير من «فشة خلق» او «فركة اذن» سياسية». الا اذا اختار باسيل خوض اكثر مغامراته «المجنونة» في رحلة «انتحاره» السياسي.؟!