انطوان فرح - الجمهورية
هل يُعتبر الاول من شباط 2023، محطة مفصلية في الوضع المالي والاقتصادي، وهو الموعد المبدئي للانتقال إلى سعر صرف رسمي جديد لليرة مقابل الدولار، أم انّه مجرد محطة ثانوية لن تبدّل في المعطيات القائمة، خصوصاً اذا استمر النزف المالي، والمراوغة السياسية التي أدّت حتى الآن إلى عقمٍ أحبط كل محاولات الخروج من النفق.
رقم الـ15 سيكون طاغياً على المستوى المالي في المرحلة المقبلة. الدولار الجمركي أصبح مُسعّراً على 15 الف ليرة. وكذلك سعر صرف الدولار الرسمي سيصبح 15 الف ليرة بدءاً من اول شباط 2023. وفي التوقيت ذاته، سيتمّ رفع السحب من الودائع الدولارية المحلية على التعميم 151 من 8 آلاف الى 15 ألفاً. والأمر نفسه سيجري تطبيقه على التعميم 158، حيث سيرتفع سعر السحب باللبناني من 12 الفاً الى 15 الفاً.
هل يعني ذلك انّ الاول من شباط سيكون محطة مهمّة في الطريق نحو توحيد اسعار الصرف، وهو من الامور التي يطالب بها صندوق النقد الدولي؟
«تسعيرة» الـ15 الفاً، ستعطي الانطباع بأنّ عملية توحيد سعر الصرف قد اقتربت. لكن الاسئلة المطروحة كثيرة ومتشعبة بانتظار هذا الموعد، ومنها:
اولاً- ما المستوى الذي سيبلغه سعر الصرف في السوق السوداء من الآن، وحتى شباط؟ حالياً، واذا افترضنا انّ سعر دولار منصة صيرفة هو حوالى 30 الف ليرة، والمودع يسحب على سعر 8 آلاف ليرة، فهذا يعني انّ نسبة الهيركات على الدولار «البلدي» تصل الى 73%. وفي حال بقي الدولار على سعره الحالي، فإنّ نسبة الهيركات سوف تنخفض إلى حوالى 50%. فهل هذا الامر وارد، ام انّ الدولار سيواصل ارتفاعه إلى مستويات يعود معها الهيركات إلى نسبته القائمة اليوم؟
ثانياً- كيف سيتمّ التعاطي مع مسألة القروض الدولارية التي كان يتمّ تسديدها على الـ1500 ليرة؟ وفي هذا السياق، هناك مروحة واسعة من هذه القروض، منها الشخصية او السكنية وصولاً إلى القروض الاستثمارية.
ثالثاً- ما هي الانعكاسات المتوقعة على ميزانيات الشركات التي كانت لا تزال تعتمد تسعيرة الـ1500 في قيودها المحاسبية؟ وهل من تأثيرات استثنائية على ملف إعادة هيكلة المصارف؟
لا شك في انّ سعر الـ15 الف ليرة للدولار محطة في طريق توحيد سعر الصرف. هذه المحطة لا ينبغي ان تستمر لفترة طويلة، لأنّ إطالتها يعني انّه لم يتمّ الوصول الى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وانّ الانهيار مستمر. ولن يطول الامر قبل ان يصبح هذا الرقم شبيهاً بمفاعيله بالرقم 1500 ليرة، سواء بالنسبة إلى التعاملات الرسمية، او للقيود المحاسبية في موازنات الشركات. وسيؤدّي ذلك إلى تسريع وتيرة التضخّم، بحيث انّ سعر العملة الوطنية سينهار دراماتيكياً، مقابل الاستمرار بزيادة الاجور وتكبير الكتلة النقدية في التداول.
بالنسبة إلى سعر الدولار من الآن وحتى شباط، ورغم صعوبة اعطاء تقديرات دقيقة، بسبب احتمال تدخّل مصرف لبنان في أية لحظة لدعم الليرة، وهذا ما أعلنه حاكم المركزي بصراحة في حديثه التلفزيوني الأخير، إلّا أنّ ذلك لا يمنع انّ الدولار سيواصل الارتفاع تدريجياً. وقياساً بالمنحنى القائم منذ سنة حتى اليوم، يمكن القول انّ احتمال وصول الدولار إلى فوق مستوى الـ50 الفاً في الاول من شباط، مرجّح حتى الآن.
في موضوع القروض، لا بدّ من تدخّل مصرف لبنان لتنظيم هذا الملف. ومن المرجّح أن يصدر تعميم او قرار عن المركزي قبل نهاية العام الجاري، يحدّد كيفية التعاطي مع القروض الدولارية. والترجيحات تفيد بأنّه سيتمّ تقسيم القروض إلى شرائح. ومن المؤكّد انّ شريحة القروض السكنية سيحظى اصحابها بوضعية خاصة في تسديد هذه القروض.
في موضوع الانعكاسات على وضعية ميزانيات المصارف، هناك اكثر من احتمال. وسبق لرئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي ان اعلن، بعد صدور تصريح وزير المالية المفاجئ في شأن تغيير سعر الصرف الرسمي، انّ التغيير لن يشمل رساميل المصارف، في اشارة إلى هذه الرساميل سيتواصل احتسابها على 1500 ليرة. لكن الأجواء السائدة اليوم، لا توحي بأنّ ما قاله ميقاتي سيبقى قائماً، ربما لأنّ صندوق النقد الدولي لن يوافق على هذا الاستثناء، ولو كان مؤقتاً بانتظار البدء في تنفيذ مشروع إعادة هيكلة المصارف. وبالتالي، ستكون هناك ورشة محاسبية لإعادة تقييم الملاءة في القطاع المصرفي، في ضوء الارقام الجديدة الناتجة من سعر الصرف الرسمي.
ويبقى سؤال أخير يتعلق بنهائية البدء في تنفيذ قرار رفع سعر الصرف في الاول من شباط. وفي هذا السياق، اصبح من الصعب تأجيل البدء في تنفيذ القرار، طالما انّ حاكم المركزي اعلن ذلك على الملأ، لكن القرار الرسمي لم يصدر بعد، وطالما انّه لم يصدر، فإنّ احتمالات التغيير تبقى قائمة ربطاً بالتطورات التي قد تفرض مثل هذا الأمر.