نداء الوطن
رفيق خوري
«تكرار الكوارث معلّم»، كما يقول مثل أميركي. لكن التعلم ليس على مزاج القيادات السياسية اللبنانية التي تتصرف كأنها «أنصاف آلهة» توزع العلم على العالم. فلا هي تعلمت درساً من «أم الكوارث» التي ضربت لبنان وحوّلت حياة الناس الى «جهنم». ولا هي توقفت، مجرد توقف، للتفكير في معنى أن يتكرر الشغور الرئاسي ثلاث مرات منذ خروج الجيش السوري، وتبديد «ثورة الإستقلال» الثاني عام 2005. وفي المرات الثلاث كان «حزب الله» صاحب الدور البارز في إدارة اللعبة. مرة بالعنف الذي قاد الى «تسوية الدوحة» بعد ولاية الرئيس أميل لحود. ومرة بتعطيل النصاب وهو نوع من العنف السياسي بعد ولاية الرئيس ميشال سليمان حتى التسليم بإنتخاب مرشحه العماد ميشال عون. والثالثة اليوم بعد ولاية الرئيس عون، حيث تعطيل النصاب والإصرار على إنتخاب «المرشح الذي يريده».
بداية التفكير في معنى الشغور المتكرر هو التوقف أمام معنى أن تخرج اللعبة الرئاسية عملياً من أيدي المرجعيات والقيادات المارونية، بصرف النظر عن ترشيح النائب ميشال معوض. إذ صار «حزب الله» هو الذي يختار المرشح الماروني ويفرض وصوله. وهو يضع أمام المسيحيين والسنّة والدروز معادلة: «إنتخاب مرشحي أو الشغور المستمر»، على طريقة ريتشارد مورفي المتفق مع الرئيس حافظ الأسد في معادلة «مخايل ضاهر أو الفوضى». والمسألة ليست رمزية فقط. ولا حلّها يتوقف على تفسير أو تعديل الدستور. ولا يبدل في الأمر ما حدث وما يمكن أن يحدث من التوافق، بالإضطرار، بحيث يكون جوهر التوافق هو الموافقة على إنتخاب ما يسميه «حزب الله».
المسألة هي أن النظام الطائفي الذي لا يعيش إلا بالتوازن الداخلي والتفهم الخارجي لخصوصيته، فقد التوازن الداخلي، والكثير من التفهم الخارجي. وكلما قويت طائفة أو إستقوت، دخلنا في صراع خطير. ولا مجال، في أوضاع لبنان والمنطقة المضروبة بإرتفاع العصبيات الطائفية والمذهبية والإتنية، للعبور الذي رسم طريقة إتفاق الطائف الى دولة المواطنة. فنحن في مرحلة إنتقالية ضمن المشروع الإقليمي لـ»محور المقاومة» بقيادة إيران.
وهذا ما يفسر سبب مفاخرة السيد حسن نصرالله بأنه «أنقذ» لبنان من «ثورة تشرين» 2019 التي اعتبرها صنيعة «الطاغوت الأميركي». فالثورة التي جرى إجهاضها، ولم يكن نجاحها سهلاً، كانت عملياً عقبة أمام المشروع الذي يعمل له «المحور».
والمرحلة الآن هي محطة الإنتقال من لبنان الحالي الذي لم يكتمل بعد إفراغه من جوهره الى لبنان الآخر الذي لم تنضج بعد ظروف إقامته. فالتبدل في موازين القوى لا يكفي وحده، وهو ليس قضية حسابات محلية بسيطة في لعبة معقدة. والتحكم بلبنان أقل كلفة من حكمه رسمياً.
وإذا بقينا أسرى الحروب الشخصية والفئوية والحسابات الصغيرة على أرض تنهار من دون أن نرى المشهد بكل أبعاده ونعمل لتغييره، فإن ما ينطبق علينا هو قول دافتي أليغري في «الكوميديا الإلهية»: «رأيت في أروقة الجحيم بشراً لا يعيشون ولا يموتون».