نداء الوطن
جاد حداد
يقدّم المخرج سيباستيان ليليو في فيلمه الجديد، The Wonder (الفتاة المعجزة)، حكاية أدبية لافتة وغريبة عن البراءة وأقصى مشاعر الرعب والذنب. العمل مقتبس من رواية إيما دونوغو، وهو يروي قصة معجزة غير مألوفة في حياة فتاة تغمرها نعمة إلهية غامضة. قد يدخل هذا الفيلم في خانة الأعمال التي تشبه The Exorcist (طارد الأرواح الشريرة). تقدّم الممثلة فلورانس بيو شخصية "ليب" بأسلوب مشاكس ومقنع. إنها ممرضة إنكليزية تأتي إلى قرية في أرياف أيرلندا، في العام 1862، بطلبٍ من لجنة مرموقة مؤلفة من كهنة وكبار الشخصيات. هم يكلّفونها بتحليل المعجزة التي تحصل أمام أنظارهم.
لم تأكل الفتاة الصغيرة "آنا" أي طعام منذ أربعة أشهر، ومع ذلك تبدو بصحة جيدة. يستقبل والداها المذهولان والمصدومان، "مالاشي" (كولان بيرن) و"روزالين" (إيلين كاسيدي)، عدداً متواصلاً من المؤمنين الحقيقيين في منزلهما الريفي الصغير، ويُسمَح للزوار بالصعود إلى غرفة ابنتهما الطيبة والتقيّة للتكلم معها. تقدّم ابنة إيلين كاسيدي، الممثلة الصاعدة كيلا لورد كاسيدي، دور "آنا" بطريقة مدهشة. بالعودة إلى القصة، يوافق الأبوان على أن تراقب "ليب" ابنتهما للتأكد من أنها لا تخبّئ الطعام. هي تتبادل الأدوار كل ثماني ساعات مع راهبة مكلّفة بالمهمة نفسها. تضمن هذه العملية تقييم وضع الفتاة انطلاقاً من الطب والإيمان في آن.تشكك "ليب" بما يحصل في البداية، ويوافقها الرأي الصحافي الجذاب "ويليام بيرن" (توم بورك) الذي يتردد إلى حانة البلدة لتغطية هذه القصة لصالح الصحافة الإنكليزية (وتحديداً صحيفة Daily Telegraph، مع أنه يعمل على ما يبدو لصالح Illustrated London News أيضاً). هما يتساءلان: كيف يُعقَل أن تنجح هذه الفتاة ذات الوجه الملائكي بتنفيذ خدعة ماكرة؟ مع مرور الوقت، تقع "ليب" بدورها تحت سحر "آنا" الهادئ. يُركّز المخرج على ضرورة أن تؤمن هذه الشخصية بالمعجزات، على غرار جميع الأشخاص الآخرين. سرعان ما يتبيّن أنها تحمل صدمة خفية في داخلها، وهذا ما دفعها إلى الإدمان على صبغة الأفيون. حتى أنها تميل إلى إيذاء نفسها عبر طقوس غريبة. (هذا الموضوع يُذكّرنا أيضاً بفيلم الرعب التهكمي الممتاز A Banquet (المأدبة) للمخرجة روث باكستون).
تستشعر "آنا" الصغيرة من جهتها معاناة الجميع عن طريق حدسها القوي وتعيش دعوتها بكل سعادة ككبش فداء في سبيل البشر. تشعر "ليب"، المرأة الإنكليزية، بحقيقة ما يحصل أكثر من الآخرين في بلدٍ لا يزال شبح المجاعة الكبرى يطارده ويُصِرّ على نشر الجوع عن طريق الاستعمار. حتى أن تهديدها اليائس بإجبار "آنا" على الأكل ينذر بالمواجهات الإمبريالية المرتقبة.
تبقى رقة الممثلة فلورانس بيو وشغفها وتعاطفها الإنساني من أبرز القوى الدافعة في هذا الفيلم الذي كان ليرزح تحت ثقل شوائبه في ظروف أخرى. يبدو أن ليليو وكاتبتَي السيناريو إيما دونوغو وأليس بيرش يدركون هذا الواقع، لذا يستعملون إطاراً مسرحياً لتقديم القصة وإبعاد المشاهدين عن أجواء الميلودراما المفرطة. تحمل بيو أعباء هذا العمل على عاتقها وتُعبّر عن المفارقة الأساسية في القصة بأفضل طريقة: لحل هذا اللغز، يجب أن تستسلم "ليب" وتؤمن بالمعجزة لكسب ثقة "آنا" ومعرفة سرّها المريع. يتطرق الفيلم في الوقت نفسه إلى تداعيات الجوع والخوف.