الجمهورية
منى الدحداح زوين
أصبح من المعلوم انّ وثيقة الوفاق الوطني والتي تُعرف بـ»اتفاق الطائف»، الذي له الفضل في وقف الحرب الاهلية التي دامت 15 عاماً، وليس هذا فقط، بل غيّر دستور البلاد وأرسى لها نظاماً جديداً يحترم المساواة بين جميع المواطنين والمحافظة على العيش المشترك وإبعاد الحرب الاهلية مجدداً.
ولكن للاسف، مرّ على هذا الاتفاق 33 عاماً ولم تُطبّق بنوده بكاملها على يد السلطات التي تعاقبت منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا. ومن أهم هذه البنود التي لم تُطبّق هي الإصلاحات في كل القطاعات:1- الإدارة: اللامركزية الادارية
اللامركزية الادارية الموسعّة على مستوى الوحدات الإدارية الصغرى (القضاء وما دون) وتوسيع صلاحيات المحافظين والقائمقامين وتمثيل كل ادارات الدولة في المناطق الادارية على اعلى مستوى ممكن، تسهيلاً لخدمة المواطنين وتلبية لحاجاتهم محلياً.
فإذا طُبّق هذا الاصلاح لا يمكن للسلطة المركزية ان تدير المناطق الادارية كما يحلو لها، ولا يمكن لها الاستفادة مادياً ومعنوياً من كل مشروع او خدمات تقام في تلك المناطق الادارية.2- القضاء: المحاكم
صحيح انّه شُكِّل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء منذ العام 1990، ولكن لم تُحال أمامه أي قضية، على الرغم من انّ هناك دعاوى رُفعت في حق وزراء، ولكنها أُحيلت الى القضاء العدلي، والسبب انّ السلطة السياسية لا تزال متحكّمة بهذا القضاء، والدليل إلى ذلك، انّ قضية انفجار مرفأ بيروت ما زالت معلّقة، وقضايا اخرى مهمّة.
3- قانون انتخاب نيابي جديد:
هذا من أهم بنود الاصلاحات، لأنّه يقتضي ان يكون خارج القيد الطائفي، وتُوزع المقاعد النيابية بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين، نسبياً بين طوائف كل من الفئتين، ونسبياً بين المناطق، ومع انتخاب اول مجلس نواب على أساس وطني لا طائفي، يُحدث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع العائلات الروحية وتنحصر صلاحياته في القضايا المصيرية. وكذلك تنشأ هيئة تدرس اقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية السياسية، وفي آخر مرحلة تُلغى قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الكفاية والاختصاص في الوظائف العامة، ما عدا الفئة الأولى وما يعادل الفئة الأولى مناصفة بين المسيحيين والمسلمين من دون تخصيص أي وظيفة لأي طائفة.
للأسف الذي حصل انّ القانون الانتخابي النيابي الجديد لم يُطبّق بنود اتفاق الطائف، والسبب لضمان السلطة الحاكمة الرجوع إلى مقاعدها سالكة، بحيث انّ نظامنا برلماني، فمجلس النواب له صلاحيات واسعة، فهو الذي يشرّع، ينتخب رئيس الجمهورية، يصادق على البيان الوزاري ويعطي الثقة للحكومة الجديدة والّا تُعتبر مستقيلة، يراقب اعمال السلطة الإجرائية، يطرح الثقة برئيسها وبوزرائها، وهو الذي له الحق باتهام رئيس مجلس الوزراء والوزراء بالخيانة العظمى.
بعد تعداد كل هذه الصلاحيات، نفهم لماذا لا يريدون تغيير القانون الانتخابي النيابي كما هو مطلوب في اتفاق الطائف، وما يليه من إحداث مجلس شيوخ وإلغاء الطائفية السياسية وإلغاء قاعدة التمثيل الطائفي في الوظائف العامة، لأنّ كل هذه الإصلاحات لا تتطابق مع مصالحهم.
4- إنشاء مجلس اقتصادي اجتماعي للتنمية:
أُنشئ هذا المجلس تأميناً لمشاركة ممثلي مختلف القطاعات في صوغ السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة، وذلك من طريق تقديم المشورة والاقتراحات، في عام 1995، ولكنه تعطّل عام 2002 مع انتهاء ولاية أعضائه، وكان الاختلاف بين السياسيين على توزيع المناصب بحسب الطوائف على الإدارات.
5- التربية والتعليم:
توحيد كتاب التاريخ. فالنزاع ما زال قائماً بين الاحزاب، فكل حزب يريد ان يكون لديه كتاب خاص بتاريخه.
6- الاعلام:
إعادة تنظيم جميع وسائل الاعلام في ظل القانون، وفي اطار الحرية المسؤولة، بما يخدم التوجّهات الوفاقية وإنهاء حالة الحرب.
نرى اليوم انّ كل موقع اعلامي (مرئي او مسموع) له توجّهاته الخاصة من جانب مشغليه، وليست هناك قوانين جديدة لتنظيم الاعلام، وخصوصاً في عصرنا هذا، مع تطور الإعلام الالكتروني .
7- بسط سيادة الدولة على كل الاراضي اللبنانية:
الإعلان عن حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وتسليم اسلحتها الى الدولة اللبنانية، وهذا لم يحصل. وهناك نزاع بين السياسيين في هذا الموضوع بتصنيف «حزب الله» على انّه مقاومة وليس ميليشيا. كما انّ بعض الدول الاجنبية صنّفته ارهابياً، ونحن كلبنانيين ندفع ثمن العقوبات التي فُرضت علينا بسبب هذا السلاح الذي استُعمل خارج الحدود اللبنانية، وكذلك لم يُتخذ اي قرار بتسليم السلاح الفلسطيني إلى الدولة، وهذا امر خطير لأنّ الجيش اللبناني خاض معارك عدّة في المخيمات الفلسطينية وتكبّد خسائر كبيرة في العتاد والارواح على رغم انتصاره في هذه المعارك. كما انّ طائرة لـ»الميدل ايست» أُصيبت اخيراً برصاصة طائشة بسبب السلاح المتفلّت.
وبعد عرض كل البنود التي لم تُطبّق في «اتفاق الطائف»، فلو طبّقناها اما كنا قد تجاوزنا ما نحن عليه اليوم من انهيارات في جميع القطاعات؟