محمد شقير - الشرق الأوسط
استبق الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله، بوضعه دفتر الشروط للرئيس العتيد للجمهورية اللبنانية، انعقاد الجلسة النيابية السادسة المقررة الخميس المقبل لانتخابه، والذي حمل المواصفات التي يجب أن يلتزم بها لتكون المقاومة مطمئنة إليه، وعدم طعنها في الظهر، أو بيعها استجابة لطلب الولايات المتحدة الأميركية التي تؤهل الجيش، كما قال، للدخول في مواجهة معها برغم إشادته بقيادتها وضباطها وجنودها برفضهم جميعاً فكرة المواجهة.
فالمواصفات التي أدرجها نصر الله في خطابه الأخير ما هي إلا «دفتر شروط» موجهة بشكل مباشر، بحسب قول مصدر بارز في المعارضة، إلى قائد الجيش العماد جوزيف عون الذي يتردد اسمه على الصعيدين العربي والدولي على أنه المرشح للرئاسة من خارج السباق الدائر بين المرشحين التقليديين لهذا المنصب، برغم أنه لم يرشح نفسه أسوة بالمرشحين الذين لم يبادروا حتى الساعة إلى الترشح بصورة رسمية، وكأنهم ينتظرون بدء الحراك الدولي الذي لم ينضج حتى الساعة ليشكل رافعة لإنجاز الاستحقاق الرئاسي لقطع الطريق على التمديد للشغور في الرئاسة الأولى إلى أمد مديد.
ويلفت المصدر في المعارضة إلى أن نصر الله، وإن كان أشاد بدور قيادة الجيش وبالتودد للمؤسسة العسكرية لجهة رفضها الدخول في مواجهة مع المقاومة، فإنه في نفس الوقت لم يخفِ هواجسه ومخاوفه في حال انتخاب رئيس يطعن المقاومة في ظهرها استجابة لطلب واشنطن في هذا الخصوص. ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن مجرد ربطه بين إشادته بالمؤسسة العسكرية وبين مخاوفه هذه، يكمن في أنه يتطلع منذ الآن إلى رسم «خطوطه الحمر» لرئيس الجمهورية العتيد، ومن غير الجائز له تخيطها كشرط لطمأنة المقاومة.
ويؤكد أن نصر الله بادر إلى رفع سقفه السياسي ما يوحي بالاعتقاد بأنه يوجه رسالة إلى قائد الجيش العماد جوزيف عون باعتباره أحد أبرز المرشحين للرئاسة من خارج الطقم التقليدي كخطوة على طريق التفاوض معه في حال أن انتخابه أصبح بمثابة أمر واقع يمكن أن يقطع الطريق على ترشح زعيم تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، خصوصاً أن مواصفاته التي رسمها للرئيس تنطبق من وجهة نظره على حليفه فرنجية، وهذا ما يفسر انكبابه على إقناع حليفه الآخر جبران باسيل بإخلاء ساحة المنافسة له بالوقوف إلى جانبه.
ويرى المصدر نفسه أن نصر الله اليوم، بالمفهوم السياسي للكلمة، غير نصر الله بالأمس عندما قاد منذ عام 2014 معركة إيصال العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وشارك بشكل أساسي بتعطيل جلسات الانتخاب إلى أن ضمن فوزه في عام 2016، ويقول إن نصر الله أصر على انتخابه، بينما بات مضطراً اليوم للتعامل بمرونة مع تبدل موازين القوى في البرلمان، وهذا ما دفعه إلى رفع سقف شروطه السياسية لأنه يتحسب لاحتمال عدم إيصال فرنجية إلى الرئاسة الأولى.
ويعتقد أن ما يشغل بال نصر الله ويقلقه بسبب تبدل موازين القوى لا يتعلق بسلاح «حزب الله» وإنما بتحريك هذا السلاح من دون التنسيق مع الدولة انطلاقاً من التوصل إلى الاستراتيجية الدفاعية لتنظيمه؛ لئلا يتفرد الحزب في اتخاذ القرار في السلم والحرب من دون العودة إلى السلطة اللبنانية المركزية، ويكشف أن الحزب يدرك منذ الآن أن هناك صعوبة في إدراج ثلاثية الشعب والجيش والمقاومة في صلب البيان الوزاري للحكومة العتيدة، وأن المخرج يكون بتوفير الحماية لسلاحه، وهذا ما توخاه من المواصفات التي طرحها في خطابه الأخير.
ويؤكد المصدر نفسه أن نصر الله يريد أن ينتزع من رئيس الجمهورية الجديد موافقته المسبقة بأن يتعهد بعدم المساس بسلاح المقاومة، خصوصاً لجهة تحريكه من دون التنسيق مع الدولة كبديل عن إدراج ثلاثية «الجيش والشعب والمقاومة» في البيان الوزاري حتى لو انتخب فرنجية رئيساً.
ويسأل عن الأسباب الكامنة وراء توفير الحزب الغطاء السياسي لإنجاز اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل بوساطة أميركية، وبموافقة ضمنية من إيران كان للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دور في إقناعها بضرورة إعطاء الضوء الأخضر لإنجازه وعدم توفيره لتذليل العقبات التي تعترض انتخاب رئيس للجمهورية؟
ويدعو المصدر المعارض «حزب الله» للتعاطي بواقعية مع تبدل موازين القوى في البرلمان الذي سيأخذ البلد إلى مرحلة سياسية جديدة غير تلك المرحلة طوال تولي حليفه عون رئاسة الجمهورية التي أدت إلى انهيار البلد وتدحرجه نحو الدمار الشامل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وبالتالي يُفترض فيه أن يتعاطى بواقعية لأن المرحلة السابقة شكلت عبئاً عليه، منتقداً في نفس الوقت تخوين نصر الله لانتفاضة 17 تشرين الأول عام 2019 بدلاً من أن يتعامل مع قواها الحقيقية بانفتاح.
وفي المقابل يؤكد مصدر سياسي بارز يواكب قيادة «حزب الله» باستمرار بأن نصر الله يبدي انفتاحاً على قائد الجيش، ويتعامل معه كواحد من المرشحين لرئاسة الجمهورية، وإنما من موقع بُعد المسافات السياسية بينهما، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنه قصد من خلال المواصفات التي حددها للرئيس العتيد فتح الباب أمام مباشرة الحوار بينهما والذي يشكل من وجهة نظر الحزب الانطلاقة الأولى للتفاوض. ويلفت إلى أن لا صحة لما أخذ يتردد بأن نصر الله يريد من خلال انفتاحه على قائد الجيش رغم بُعد المسافات بينهما، أن يهز العصا لباسيل بذريعة أن لا مانع من التفاهم معه، وهذا ما يقلق زعيم «التيار الوطني الحر» الذي يعطي الأولوية لانتخاب أي مرشح للرئاسة باستثناء العماد عون لأنه بوصوله سيدفع باتجاه خلخلة الوضع بداخل محازبيه وأنصاره الذين يتعاطفون معه. ويقول المصدر نفسه إن نصر الله ليس مضطراً ليهز العصا لباسيل ما دام أنه لا يزال يراهن على تأييده لفرنجية، وأن التواصل بينهما لم ينقطع، ويضيف أنه كان صريحاً إلى أقصى الحدود مع باسيل في اجتماعهما الأخير بقوله له إن فرصه في الوصول إلى الرئاسة تكاد تكون معدومة إلى حد كبير، وإنه من الأفضل أن يكون شريكاً في انتخاب فرنجية على خلفية توفير الضمانات السياسية له.
وعليه، فإن نصر الله يتبع في إقناع باسيل بسحب الفيتو على ترشيح فرنجية سياسة النفس الطويل؛ لأنه يحرص على مراعاته، مع أن باسيل، كما يقول المصدر نفسه، يستغل حاجة الحزب إلى غطائه السياسي، لكنه لا يستطيع كل الوقت أن يقول لا لحليفه، وسيضطر إلى معاودة النظر في حساباته ولو بعد طول انتظار.
ورأى أن إشادة نصر الله برئيس الجمهورية السابق ما هي إلا دفعة على الحساب تعويضاً له على خدماته السياسية للحزب، ولما اتخذه من مواقف داعمة له إبان اشتداد الحملات عليه.
وأخيراً فإن جلسة الانتخاب المقبلة ستنتهي إلى ما انتهت إليه سابقاتها من الجلسات مع فارق يعود إلى أن التكتلات النيابية الصغيرة أو تلك التي تصنف نفسها بأنها خارج الاصطفافات السياسية أخذت تقترب من التفكك على دفعات، فيما يبقى تكتل «لبنان القوي» برئاسة باسيل صامداً ولو مؤقتاً إلى حين اضطراره للدخول في تسمية مرشحه للرئاسة الذي سيترتب عليه اضطرار بعض النواب إلى التموضع في مكان آخر، مع أن المصدر نفسه وإن كان يستبعد أن يكون نصر الله أراد أن يهز العصا لباسيل، فإنه لا يمانع بالتعامل على هذا الأساس لدفعه إلى تنعيم موقفه الذي يشكل حاجزاً لتظهير ترشيح فرنجية إلى العلن.