آلان سركيس - نداء الوطن
رُسمت خطوط التّماس بين القوى السياسية المتنازعة، وأثبتت جولات الإنتخاب الرئاسية أن لا قدرة لأي فريق على الحسم بلا تسوية شاملة ترضي الأطراف كافة.
منذ توليه مفتاح الزعامة بعد اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري في العام 2005، يؤخذ على الرئيس سعد الحريري بأنه ميّال إلى التسويات، بينما يتهمه حلفاؤه بأنّ التسويات التي حاكها هي كناية عن تنازلات أمام «حزب الله» وحلفائه، وتحديداً «التيار الوطنيّ الحر». فيما يُبرر رئيس «تيار المستقبل» سلوكه بأنّ هذه التسويات عقدت بهدف الإنقاذ من نار الفتنة وربط النزاع مع الخصوم بانتظار حدوث تطور إقليمي ما يقلب التوازنات. لكن الحريري الإبن أخرج نفسه من المعادلة السياسية بعدما لمس عدم وجود رغبة إقليمية في دعمه، وهو الذي استقال من رئاسة الحكومة في تشرين الثاني 2019 تلبيةً لرغبات شعب لبنان المنتفض حسب قوله.
لا شكّ أنّ غياب الرجل عن المشهد السياسي ترك فراغاً من الصعب على أي شخصية سنية ملؤه خصوصاً وأنّ زعامة آل الحريري وتيار «المستقبل» كانت عابرة للمناطق والمدن السنية، وبالتالي فإنّ البحث في المرحلة المقبلة يقضي التدقيق في كيفية عدم ترك الساحة السنية لقدرها، مع العلم أنّها ليست المرّة الأولى التي يبتعد خلالها الحريري عن المشهد السياسي. اذ سبق له أن انكفأ بعد مهرجان 13 آذار الشهير عام 2011 يوم خلع «الجاكيت» على المنبر واختار المنفى الطوعي وابتعد عن لبنان لكن تياره بقي حاضراً بقوة.
بعدها، عاد الحريري على متن تسوية 2016 القاضية بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتربعه على عرش الرئاسة الثالثة طوال حكومات عهد الرئيس عون، لكن انتفاضة 17 تشرين أخرجت رئيس «تيار المستقبل» من السراي ومن ثم من كامل الحياة السياسية. وبالتالي إنّ مشهد غيابه في العام 2011 يتكرّر اليوم ولكن هذه المرّة كأنّه شبه اعتزال للعمل السياسي.
ويدور حديث في الخفايا عن احتمال عودة الحريري إلى الحياة السياسية في وقت قريب. فالرجل اجتاز بعد إنتخابات 2022 مرحلة مهمة من تثبيت زعامته. اذ، من جهة حصدت «قوى التغيير» 3 مقاعد في بيروت كانت لـ»المستقبل» إضافةً إلى مقعد في كل من صيدا والبقاع الغربي والشوف وطرابلس، في حين أنّ هناك ما بات يُعرف بقدامى «المستقبل» وهم كتلة مطاطة تتحرّك بين 6 إلى 10 نواب وهؤلاء سيكونون تحت جناح الحريري إن عاد.
ويؤكّد قريبون من جوّ الحريري أن الرجل لم ينتهِ سياسياً لأنه لم تبرز أي زعامة سياسية قادرة على منافسته خلال الإنتخابات النيابية الأخيرة، وحضوره لا يقتصر على المواقف السياسية فقط، بل إنّ الأساس هو إعادة كودرة تيار «المستقبل» ومأسسته على نحو صلب، وإبعاد أصحاب المصالح عنه واحتضان الناس التي آمنت فعلاً بنهج الحريري الأب والإبن.
ومن جهة أخرى، فان هناك تأكيدات أن الحريري لا يزال يؤمن بفكر 14 آذار ونهجها وكل الكلام عن تخلّيه عن هذه المبادئ لا أساس له من الصحة، في حين أنه لا يتدخّل في الإستحقاق الرئاسي حالياً، لكنه في المقابل يبارك أي قرار يؤدّي إلى استقرار البلد وانتخاب رئيس جديد للجمهورية وتأليف حكومة فاعلة وإعادة التوازن إلى الحياة السياسية ويلغي سيطرة فريق على القرار السياسي.
ولا يبدو أنّ هناك إشارات خارجية مشجّعة أو تدعم عودة الحريري، فعلاقته مع المملكة العربية السعودية لم تتحسن بالشكل المطلوب، مع العلم أنّ مدخل أي زعيم سنيّ للعودة إلى لعب دور كبير، يكون من خلال تأمين الغطاء السعودي، وهذا الأمر غير متوافر حالياً للحريري أو لأي شخصية سنية أخرى.
ومن جهتها، لا تبدي واشنطن هي الأخرى أي حماسة لعودته، وهي تعتبر أنّ هذا القرار يخصّه شخصياً وغير معنية به، في حين أنّ الإدارة الفرنسية لا تزال غاضبة منه بسبب رغبته بالتكليف بعد إفشال تسوية ولادة حكومة السفير مصطفى اديب على رغم معرفته بعدم قدرته على التأليف.
بعد سقوط شعار «كلن يعني كلن»، ونهضة الأحزاب والتيارات والقوى التقليدية من جديد للعب دورها، فإنّ لا شيء يمنع عودة تيار «المستقبل» إلى ممارسة نشاطه. لكن هذا الأمر يتعلق بقرار الحريري، وحتى الساعة لم يصدر أي قرار من هذا النوع.