عماد مرمل - الجمهورية
يمرّ الخميس تلو الخميس من دون أن ينجح مجلس النواب في انتخاب رئيس الجمهورية، بينما يستمر البلد في التحلل وهو ينتظر الإفراج عن الحل.
انه فيلم الشغور إيّاه الذي سبق ان شاهده اللبنانيون مرات ومرات، يُعاد عرضه حالياً بأبطاله المعروفين وأحداثه المتكررة، في صالات النظام السياسي المعطوب.
ومع ان نهاية الفيلم المَمجوج معروفة وهي التسوية الرئاسية التي لا مفر منها، الا ان القوى الداخلية مصرّة على إضاعة الوقت في مناورات جانبية ليس بإمكانها ان تغير شيئا في القدر السياسي المحتوم والمتمثّل في وجوب التوافق على رئيس لملء الشغور في قصر بعبدا.
وعلى رغم تلاحق جلسات الانتخاب الاسبوعية وحرج المواظبة على الورقة البيضاء، غير ان فريق 8 آذار لا يزال يتفادى الخضوع لضغط تسمية مرشحه كيفما كان وسَلقه سلقاً قبل إنضاج الظروف التي تضمن فوزه او أقله تسمح بخوضه معركة جدية بعيداً من لعبة الاستهلاك الاعلامي التي تحرق الاسماء ولا تخدمها.
وهناك في هذا الفريق من لم يفقد الأمل بعد في إمكان إقناع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل بدعم ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، على رغم ان باسيل لم يعط اي إشارة بعد لقائه الاخير مع الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله الى إمكان تعديل موقفه المعلن.
وفيما يجزم المعترضون على اسم فرنجية ان لا فرصة واقعية له بفعل «فيتو» التيار الحر والقوات اللبنانية الذي يحجب عنه الغطاء المسيحي الضروري، ونتيجة استبعاد القبول السعودي والاميركي به منعاً لتكرار تجربة الرياض وواشنطن مع الرئيس ميشال عون... الا انّ لدى المواكبين لمعركة إيصاله الى بعبدا اقتناعاً بأن أسهمه الرئاسية آخذة في الارتفاع.
ويلفت هؤلاء الى ان «حزب الله» لن يتنازل بسهولة عن خيار فرنجية، خصوصا ان الوضع الاقليمي - الدولي المتشنج يتطلب وجود رئيس للجمهورية من طينته في قصر بعبدا، «أما بالنسبة إلى باسيل فليس معروفا الى اي درجة يستطيع ان يمضي في مخالفة مقاربة السيد نصرالله للأسباب الاستراتيجية التي تُملي انتخاب فرنجية»، علماً ان رئيس التيار كان قد استبق اي ضغط مُحتمل بالتأكيد ان «السيّد» لا يمون عليه في مسألة انتخاب رئيس غير مقتنع به.
ومن المعروف انّ باسيل يحاول الدفع نحو استبدال فرنجية باسم آخر يتم التفاهم عليه مع رئيس «المردة» و»حزب الله» والرئيس نبيه بري، ويمكنه ان يجمع بين طَمأنة المقاومة استراتيجياً ومُلاقاة التيار في نظرته الى مشروع إصلاح بناء الدولة.
لكنّ رافضي هذا «العرض» في 8 آذار يلفتون الى ان تجارب التيار مع اختيار الاسماء في مواقع الدولة لا تشجع على تكرارها في رئاسة الجمهورية، «إذ ان أغلب الذين اختارهم في مراكز متنوعة، على قاعدة انهم قريبون منه، انقلبوا عليه لاحقاً. وبالتالي ما الذي يضمن ان اي رئيس يتم اختياره من خارج نسيج 8 آذار لن ينقلب على الحزب والتيار بعد حين، كما فعل الرئيس ميشال سليمان؟
هذا بالنسبة الى ما خَص عقدة التفاهم مع الحليف، اما بالنسبة إلى الخصوم على الضفة الأخرى فإنّ المتحمسين لفرنجية في 8 آذار يعتبرون انه الأقدر على إراحة أصحاب الهواجس والمخاوف حيال سلاح المقاومة.
ويشير هؤلاء الى انّ العلاقة المميزة التي تربط فرنجية بالحزب تمنح الرجل نوعاً من «المَونة» عليه والقدرة على محاورته بصدق وصراحة فيما يتعلق بالاستراتيجية الدفاعية وغيرها، «وهو امتياز لا يتوافر لدى اي مرشح وسطي، لأنه لا يحوز على المقدار نفسه من ثقة الحزب في فرنجية».
ومن باب ضرب المثال، هناك في 8 آذار من يستعيد واقعة انّ فرنجية عندما عُيّن وزيراً للداخلية عام 2004 ذهب إلى الرئيس السوري بشار الأسد وابلغ اليه بـ»المَونة» انه يجب تقديم هدية الى المسيحييين عبر اعتماد قانون انتخاب 1960 فتجاوَب معه الاسد، ثم زار فرنجية البطريرك الماروني وسلّمه «الهدية»، قبل أن تتم العودة إلى قانون غازي كنعان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحربري، «وهذا النموذج يمكن تعميمه على مستوى ملفات أخرى، ربطاً بالثقة المتبادلة بين فرنجية من جهة و»حزب الله» ودمشق من جهة أخرى».