غادة حلاوي - نداء الوطن
بصعوبة بالغة يمكن أن يخرج الديبلوماسي بموقف حاد إجمالًا، فكيف إذا كان ديبلوماسياً وصار وزيراً للخارجية في بلد مأزوم كلبنان. يعرف عبدالله بو حبيب كيف ينتقي عباراته ويسير بين سطور الكلمات، غامزاً من القناة التي يتقصدها. رئيس «التيار الوطني الحرّ» جبران باسيل، الذي سمّاه وزيراً هو ذاته وضعه في رأس لائحة الوزراء الذين كان يرغب في استبدالهم لو تغيّرت الحكومة. لم يعد بو حبيب قريباً من باسيل، هكذا قيل، كما قيل أيضاً إن خلافاً بينهما حصل سببه رئاسة الجمهورية.
زاهد بو حبيب بمنصبه، ولم يتردد في إعلان ذلك «بعد الإنتخابات النيابية إجتمعت مع باسيل وقلت له، أنت رشحتني للوزارة وأنا ممتنّ لك، وإذا أردت أن أكمل سأفعل وإلا أخرج ممتناً. حين اجتمعت معه مؤخراً لم يقل لي شيئاً من هذا القبيل، وأتمنى لو تمّ تشكيل حكومة جديدة، الحالة «بتقرّف» والعمل لم يعد سهلاً».
يوضح بو حبيب سبب قرفه بالقول «نهاية الأسبوع أزور عواصم أوروبية عدة للمشاركة في مؤتمرات دولية، شاركت فيها العام الماضي، ووعدت أن الحكومة ستقوم بخطوات إصلاحية لم تنفذ، فكيف أبرّر لهم؟ أينما ذهبنا يقولون لنا إنتخبوا رئيس جمهورية، قوموا بإصلاحات، واتفقوا مع صندوق النقد. أعرف أنّ ثمة صعوبات ولكن الحق علينا نحن اللبنانيين، انتخبنا نواباً يعكسون آراءنا وهي مختلفة فكيف يتفقون».
في الإنطباع عنه أنه بات أقرب الى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي منه إلى باسيل، فيقول «من يتولّى مسؤولية الوزارة يكون من حصة ضميره. الوزير يجب أن يتعاون مع رئيس الحكومة وإلا عجز عن تسيير أمور وزارته، والقرارات التي تسبّبت بضجة، مثل التصويت لصالح أوكرانيا ضد روسيا في مجلس الأمن، اتخذت في القصر الجمهوري بمشاركة رئيسي الجمهورية والحكومة ووزير الخارجية ومدير عام رئاسة الجمهورية انطوان شقير».
وسواء كان محسوباً على أيّ من الطرفين، يدرك بو حبيب أن عمله لن يحيد عن تصريف الأعمال «لغاية اليوم صار عمرها 14 شهراً، عملنا كحكومة لأربعة أشهر ثم تحولنا الى حكومة تصريف أعمال. معظم وقتنا تصريف أعمال ومستمرون على هذه الحال»، جازماً أنه مثل زملائه من الوزراء المحسوبين على «التيار»، «لن نحضر حكماً جلسة حكومية إن دعا إليها الرئيس نجيب ميقاتي»، لأن «الجلسة يلزمها موافقة 24 وزيراً، ونحن سنرفض ونعتبر أنّ العرف هو ذاته المستمر منذ أيام حكومة الرئيس تمام سلام. والرئيس ميقاتي أعلمني أنه لن يطلب عقد جلسة لمجلس الوزراء وفي حال الضرورة القصوى سيتشاور مع المكونات السياسية».
الرئاسة وباسيل
وعما إذا كان باسيل طلب منه العمل لرفع العقوبات الأميركية عنه مقابل انتخابه رئيساً للجمهورية لمدة ثلاث سنوات يستقيل بعدها يقول «أبداً بالعكس. عرضت عليه المساعدة في موضوع العقوبات فرفض، ولم نبحث في موضوع رئاسة الجمهورية لا من قريب ولا من بعيد. لست مهتماً لموضوع رئاسة الجمهورية. أهتم لإنتخاب رئيس ولست مهتماً لأكون مرشحاً ولست مرشحاً ولم أفاتح أي جهة بالموضوع». وعن خلفية طرح اسمه يوضح أن «أحد الأشخاص، وأتحفظ عن ذكر اسمه، ولغايات مبيّتة، قال إن السفيرة الأميركية أبلغته أن لدى بلادها مرشح رئاسي هو أنا، وحين سألتُها معاتباً نفت نفياً قاطعاً وجزمت: لم تردني معلومات من واشنطن بهذا الشأن ولا عندي مرشح له الأفضلية».
في انتخاب الرئيس يلاحظ وجود جو دولي عربي مشجّع «كل ممثلي الدول ينصحوننا: ساعدوا انفسكم لنساعدكم، ونحن لا نساعد أنفسنا» والعبارة الأخيرة جملت الكل في المسؤولية ولم تقتصر على الموارنة إذ «لم يسبق وأن قرّر الموارنة نتيجة إنتخاب رئيس الجمهورية. دائما ينقسمون، والأساس يتوقف على الكفة التي تميل لها أكثرية المسلمين»، لذا «إنّ التسوية هي الأساس رئاسياً»، وإن كان لا يرى «ملامحها قد ظهرت بعد» إلا أنّها «تبدأ حين يبدأ الحديث بين الأطراف المعنيين ويستعدون لها. لغاية الآن لكل منهم مرشحه، هذا يريد مرشحاً سيادياً وذاك يريده توافقياً». لا يجاري كبير الديبلوماسيين الخائفين من فوضى أمنية حالياً لكن»إستمرار فترة عدم إنتخاب الرئيس تضعنا في المجهول».
يتحدث عن دور للمملكة السعودية في انتخاب الرئيس، كما هو دور أميركا وفرنسا، وإيران عبر «حزب الله»، ويصف العلاقة مع الرياض بأنها «طبيعية لوجود سفيرها في لبنان» وإن كان لم يزر وزارة الخارجية ولو مرة «كل ما يهمنا في القضية وجود السعودية في لبنان». وعن سبب غيابه عن مؤتمر الأونيسكو في ذكرى «الطائف» قال «كنت سفيراً يوم وقع الإتفاق وكتبت عنه مراراً، والعملية ليست مجرد مشاركة».
الوزير الذي وصف على أنه وزير خارجية سوريا لا يزال مستعداً لزيارتها «متى اقتضت مصلحة لبنان ذلك» مستدركاً القول»سبق وسألوني في مجلس النواب لماذا لا تذهب إلى سوريا فكان جوابي التالي: حين تشكلت وزارة جديدة في لبنان راسلني وزير خارجية سوريا برسالة تهنئة بعد شهر فرديت برسالة، ولو زارني لزرته».
وزارة على الشحادة
على مستوى شؤون وزارته فإنّ «عملية صرف رواتب الديبلوماسيين انتظمت نوعاً ما»، في المقابل «بدأت عملية تقليص المصاريف تدريجياً». وعلى مستوى التشكيلات الديبلوماسية التي لم تقرّ يعترف وزير الخارجية أنّ السبب «غياب الإتفاق السياسي على إقرارها» رافضاً الدخول في الأسماء وتحديد المسؤوليات «أي تشكيلات خاصة في السفارات الكبرى تحتاج الى إتفاق بين القيادات لإقرارها بمرسوم في مجلس الوزراء. في التشكيلات والتصنيفات أثّرت التدخلات السياسية بشكل كبير. لم أستطع إيجاد صيغة تؤمّن موافقة كلّ الرؤساء والزعماء على التشكيلات الديبلوماسية» وكانت النتيجة «إستعضنا عن السفراء بقائم بالأعمال. تراجع التمثيل في 12 بلداً من سفير الى قائم بالأعمال بينها دول كبرى كواشنطن ونيويورك، وبالنظر الى تقليص الميزانية خُفّضت نفقات السفارات في دول لا وجود لجالية لبنانية كبرى فيها وليس لها مردود مالي «هناك سبع عشرة سفارة وقنصلية عاجزة عن تحصيل تكاليفها التشغيلية، فما بالك بكلفة الديبلوماسيين. كانت الكلفة الإجمالية تقارب الـ30 مليون دولار سنوياً تراجعت إلى ما دون الـ25 مليون دولار على أثر تخفيض الرواتب. وخفّضنا أجور المباني ومنازل السفراء بنسبة 25 بالمئة وطلبنا من السفراء السكن في الضواحي وعدم استئجار منازل ضخمة. حين رفعنا الصوت تلقينا تمويلاً للنفقات التشغيلية من الجالية اللبنانية في الإغتراب. نعتاش على السلفات ولا يمكن أن نستمر على هذا الوضع، وننتظر صدور موازنة 2022 لنستعين بالفائض. أدفع بدل تذكرة السفر من جيبي وأسافر لتمثيل لبنان بمفردي لصعوبة تغطية نفقة ديبلوماسي يرافقني.
لا ينفي أن الأمر صار أشبه بـ»شحادة» فيقول «طبعاً عم إشحد. كل شغلي شحادة ويعتمد على الهبات والمساعدات، تعطل المصعد في الوزارة فشحدت كلفة إصلاحه». يعترف أنّ عدداً كبيراً من السفارات «يعاني من حشو سياسي في عداد الموظفين ويصعب الإستغناء عن خدماتهم إلّا بعد صرف تعويض. نعمل على الأمر بهدوء. من يبلغ سن التقاعد لا نستعين ببديل عنه. خفّضنا سلسلة الرتب في بعض السفارات ومن لم يعجبه الإجراء استقال ونال تعويضه على أساس سعر الصرف القديم. واذا لمس السفير حاجته لأحدهم تعاون معه على الفاتورة. السفراء اعترضوا على صرف الموظفين وتلقيت مراجعات من بعض السياسيين ولكنهم عادوا وسلموا بالواقع». في توصيفه، فإن الخارجية بواقعها الراهن «هي أمام ديبلوماسيين يرفضون واقعهم بقوة، ومحليين يداومون لأيام محدودة في الأسبوع». وبالعربي المشبرح بعيداً عن اللغة الديبلوماسية «عم نسكج».