جاء في المركزية - نجوى ابي حيدر
لم تكن البطريركية المارونية يوما منكفئة عن قضايا لبنان والمنطقة. ولم تتخاذل الكنيسة الشجاعة عن الاضطلاع بأدوار طليعية حققت للبنان، من دون ادنى شك، انتصارات ليس اقلها التحرر من الانتداب الفرنسي بفعل مطالبات متكررة من البطريرك إلياس الحويك في العاصمة الفرنسية التي ابحر اليها عام 1919، عارضا قضية الوطن أمام مؤتمر الصلح، الى البطريرك أنطون بطرس عريضة الذي طالب عام 1943، باستقلال لبنان عن الانتداب الفرنسي. وبعدهما في التاريخ الحديث، كان للبطريرك مار نصرالله صفير دور أساسي في مختلف الحقبات بدءا بولادة اتفاق الطائف الذي مهدّ لمرحلة سياسية جديدة في البلاد ، اسست للسلام والاستقرار اثر الحرب الاهلية مرورا بمصالحة الجبل التاريخية وانتهاء بنداء المطارنة الشهير الذي مهد لانتفاضة 2005، وأسهم بشكل لا لبس فيه في وضع حد للوصاية السورية على لبنان وخروج جيشها منه.
عند الخطر، لطالما كانت بكركي تدق الناقوس وبطريركها يتحرك في كل اتجاه صونا للبنان الكيان ومنعا لزواله، وخطر الزوال اليوم يحدق به من كل صوب، وتحذّر منه العواصم الكبرى. باريس عبّرت عن قلقها من زوال لبنان على لسان وزير خارجيتها السابق جان ايف لودريان منذ اكثر من عامين ومثلها فعلت واشنطن عبر مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، منذ يومين بتأكيدها أن لبنان مفتوح أمام كل السيناريوهات، بما فيها "تفكك كامل للدولة". فأين بكركي من خطر زوال من اعطاها مجده وهي المؤتمنة على مسيحيي الشرق، او من تبقى ممن لم يُهَجَر منهم؟ واينها من دورها المسكوني العالمي ومن حوار الاديان والحضارات ونموذج العيش المشترك بين الطوائف؟ واين هي من الدور الطليعي الرائد الذي يضطلع به الفاتيكان في المنطقة وقد زارها البابا اربع مرات، متجاهلا لبنان الا في الدعاء له، ودور كنيسته المارونية الواجب ان تتقدم معدّي الزيارات، فيدخل دول الشرق من بوابته؟ والسؤال الابرز والحال هذه، هل يتقدم السفير البابوي باولو بورجيا على بكركي في لعب دور انقاذي بالتنسيق مع الخارج وانضاج تسوية تضع حدا للشغور الرئاسي وتعيد انتاج السلطة؟
تقول مصادر سياسية مارونية لـ"المركزية" ان اضعف الايمان يقضي بألا تغيب بكركي عن الاستحقاقات الكبرى والمسارات الحوارية الجارية في المنطقة وابرزها المسار المسيحي- الاسلامي- اليهودي الذي تتولاه الامارات العربية المتحدة وهدفه الاساس انهاء الصراع العربي -الاسرائيلي لتعيش شعوب المنطقة بسلام. المسار الاسلامي- المسيحي الذي يرتب بنتيجته الاستقرار العالمي، كون السؤال المطروح في عواصم العالم اليوم "كيف نعيش بسلام اذا كنا مختلفين؟". في اوروبا ما يزيد على 35 مليون مسلم ينتخبون ويغيرون اوضاعا ديموقراطية، وهو ما انتج مشهد وصول متطرفين الى السلطة، على غرار ايطاليا وبريطانيا. اما المسار السني –الشيعي فتترتب على نتائجه ايضا اوضاع المنطقة واستقرارها. فأين الحضور الفاعل للكنيسة المارونية في المسارات الثلاثة؟
المسار الاول تتولاه اسرائيل والامارات والثاني مباشرة البابا فرنسيس وشيخ الازهر، والثالث ولو انه سني- شيعي، يمكن للكنيسة المارونية ان تلعب دورا مهما فيه. فلماذا تغيب؟ بكركي ترسم سياسة طويلة المدى للمسيحيين لإبقائهم وترسيخ وجودهم في الشرق خصوصا ان تاريخ الكنيسة المارونية يشهد لها في هذه البقعة من العالم. وهي الكنيسة المقدامة الشجاعة، الشاهدة للمسيح والرسالة بين العرب.
وتختم: اخطر ما في ذلك كله الانسحاب من الدور الفاعل للكنيسة ، وهو ما تمت معاينته في الزيارات البابوية الاربع للمنطقة؟ وفي ظل هذا الغياب يضمحّل دور الكنيسة الاستثنائي ليس في الشرق فحسب بل في لبنان ايضا ومعه الحاجة لبكركي كلاعب اساسي ومفصلي في الاستحقاقات، والرئاسة اولها.