غادة حلاوي - نداء الوطن
ما يزيد على ثلاثة أرباع الساعة أمضاها رئيس «الحزب التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط في حضرة رئيس مجلس النواب نبيه بري. كلّما ضاقت به السبل قصد عين التينة ليتبادل معها أطراف الحديث فيضع أفكاره في عهدة رئيسها ويمضي منتظراً النتائج. قلقٌ جنبلاط من الأوضاع السائدة في البلد. في طبعه لم يعد يريد الدخول في متاهات السياسة والتوترات المناطقية والطائفية. بات «زعيم الجبل» ينشد الهدوء والإستقرار فيعطي تعليماته لنوابه بتجنّب رفع السقف في إطلالاتهم وإقفال الباب نهائياً على حقبة الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون بلا تشفٍّ أو تعاطٍ كيديّ. يتوجّه إلى قبلته الأولى، صديقه الصدوق رئيس مجلس النواب نبيه برّي ليتبادل وإيّاه الآراء. يعبّر جنبلاط خلال الجلسة عن رؤيته للوضع العام ويستفسر من رئيس المجلس حول أسباب تراجعه عن الحوار ويتمنى لو يعود فيطرح فكرته مجدداً ليكون نافذة لتبادل الحديث مع الآخرين.
بدا جنبلاط إيجابياً ومتجاوباً ومنفتحاً على بحث المواضيع بجدية وهو عبّر أمام رئيس المجلس أنّه لا موقف يتمسّك به بل إن الأمور قابلة للنقاش. ما خلّف انطباعاً مريحاً لدى برّي. استعرض الرئيس و»البيك» أسماء المرشحين الجديين والإفتراضيين. الموضوع ليس «مَن يُقنع مَن» بل في المرشحين أنفسهم وحظوظ كلّ منهم. رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية الذي يتمسّك بترشيحه «الثنائي الشيعي»، يتجنّب إعلان هذا الترشيح والمضيّ به إذا لم يشكّل نقطة تقاطع محلي، إقليمي، ودولي. حتى الساعة لم يتلقّ أي إشارة سعودية، ولا موافقتها ما يعني إحكام الطوق حول ولايته. لكن رغم ذلك قال جنبلاط إنّه وفريقه ليسا الطرف الوحيد في البلد متمنّياً طرح الأسماء لمناقشتها بما يعني رغبته في طرح الأسماء علانية لبدء الكلام الجدي.
لكن بحث المشكلة الأساسية والتي هي الإستحقاق الرئاسي لا يتوقف على اتفاق برّي- جنبلاط لأنها في الأساس وفق المراقبين ليست مشكلة إسلامية - مسيحية وإنما هي أزمة مارونية في العمق وبين فريقين مارونيين أساسيين خلافهما يعقّد الموضوع الرئاسي، وبحث المشكلة جدياً يستوجب تلاقي القيادات المارونية مع بعضها بعضاً. إذ لا تقف الحلول عند عتبة تمني برّي وموافقة جنبلاط .
القصة في مكان آخر والحلول مرهونة بالكتل النيابية المارونية وتعاطيها في مجلس النواب، وهي لغاية اليوم تتمترس في مواجهة بعضها البعض وتبدو كأنها ليست معنية بما يدور حولها، وبينها يقف البطريرك الماروني بشارة الراعي مقيّد اليدين. ربّما لعلمه أنه أمام خلاف مستعصٍ ومحاولاته للتوفيق، وإن تكرّرت، فنتائجها غير مضمونة. يتجنّب البطريرك أصل المشكلة ويدور حولها من دون أن يتمكّن من تحريك الجمود الذي يكتنفها. وليس معلوماً بعد أين أصبح المشروع الذي كان يعمل عليه بالتوافق مع رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل حول جوجلة أسماء المرشحين لوضعها على طاولة البحث إنطلاقاً من أن الاستحقاق الرئاسي ماروني وللموارنة فيه الكلمة الفصل.
إنّ تبنّي جنبلاط ترشيح ميشال معوّض يندرج في سياق التلهّي في الوقت الضائع بانتظار وضوح رؤية ترشيحات أخرى. كعادته يتموضع رئيس الإشتراكي في أعلى التل مراقباً، أدلى بدلوه على هامش مؤتمر الطائف في الأونيسكو وتوجه في اليوم الثاني الى عين التينة للإلتحاق بالحليف الصدوق. يعرف جنبلاط كيف يحافظ على هوامش اللعبة جيداً. يدرك كما برّي، أنّ كلّ ما نشهده ليس إلا تقطيعاً للوقت يحافظ خلاله على تموضعه من دون أن يقطع خطوط تواصله مع أي طرف أو يستفز أي جهة إلى أن يحين موعد المقايضة الرئاسية فيدخل لعبة البيع والشراء من أوسع أبوابها.
لكن جنبلاط وبتقدير المعلّمين باللعبة السياسية لم يعد يشكل بيضة القبان في الميزان السياسي، وتموضعه سيكون في المكان الذي يهندسه له برّي. يلتزم جنبلاط بميشال معوّض. لا يخالف خيارات المملكة السعودية ولا يستفز الثنائي وقد يمشي بفرنجية أو بغيره. المهم الخلاص وراحة البال.