جورج شاهين - الجمهورية
قبل يومين على الجلسة النيابية المخصصة لانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية تقدم الحديث عن متغيرات تمسّ شكلها من دون مضمونها ونتيجة سابقاتها. فكل المؤشرات تدل الى ان هناك من «سيُخربش» على الوجه الآخر للأوراق البيض التي تحمل ختم الامانة العامة للمجلس النيابي بـ»اسماء علم». وما هو متوقع أن هذه الظاهرة لن تنهي مهمة المجلس في سد «فجوة خلو سدة الرئاسة» من شاغلها إن لم «تعمقها». وعليه، كيف يمكن مقاربة هذه المعادلة الجديدة؟
إن صَحّت التوقعات في انّ مجموعة الاوراق البيض ستتقلّص في الجلسة النيابية بعد غد، والتي خصصت لانتخاب الرئيس العتيد للجمهورية، فإنّ ذلك يعني ان التنوّع في أسماء المرشحين سينطلق في شكل وآلية جديدتين لمقاربة الملف المطروح في ظل خلو سدة الرئاسة من شاغلها ودخول البلاد منذ اسبوع مرحلة جديدة تتعدد فيها التعقيدات التي يمكن ان تتلبّس أشكالاً من المطالعات الدستورية والسياسية في ضوء سلسلة من الاجتهادات والفتاوى التي لا تغني فقيرا ولا تشبع جائعا، وهو ما قد يقود الى نقاش بغيض ان تطوّرت «النغمة» التي يسعى البعض الى تسويقها بالقول انّ صلاحيات الرئيس الماروني انتقلت الى رئيس الحكومة السني على رغم من وضوح النص الدستوري الذي نقل وكالةً بَعضاً من صلاحيات الرئيس غير اللصيقة بشخصه الى مجلس الوزراء مجتمعاً.
وفي ظل ما هو متوقّع من مناكفات، لا تخفى الهواجس من إمكان ان تنعكس هذه الأجواء على الوضع الامني ان سعى البعض الى التعبير عن رفضه أي إجراء يمكن ان تقوم به الحكومة في الشارع تحت عناوين شتّى. ولن يكون من الصعب توفيرها في ظل التعبئة الاعلامية والشعبية التي يغذيها البعض، لا سيما منهم قادة «التيار الوطني الحر» ومسؤوليه على غرار ما شهدته محطة «MTV» الخميس الماضي من مظاهر احتقان وتشنج تحت عناوين ظرفية لا تخلو من «الديماغوجية» التي يصعب النقاش في شأنها وحسم الموقف منها. وهو امر تحتسبه المراجع المعنية بدقة متناهية وقد بذلت وتبذل جهوداً مضنية لعدم تكرار ما حصل والسعي إلى استيعابه وتطويق ذيوله بأقل كلفة ممكنة.
وعليه، ان تراجع البعض عن اعتماد الورقة البيضاء في جلسة الخميس فإنّ ذلك يوحي بإمكان توسّع اللائحة التي ستتحدث عن اسماء المرشحين للرئاسة، وهي عملية تفتح الأفق على مزيد منها سواء تلك المُعلن عنها أو من المغمورين وحتى من «مشاهير المجهولين». ولذلك يتعذّر عند تعدادهم ان يفوت أيّاً كان بعضاً منهم. ولكن عند البحث في ما قصده المتحدثون عن دخول بعض الأسماء الجديدة بازار الانتخابات الرئاسية فذلك يستدعي التوقف عند بعض المواقف لقراءة من هو المقصود منها وماهية الاشخاص استناداً الى سلسلة المواصفات التي أطلقت الى الآن من دون «إسقاط» الاسماء المناسبة عليها، والتي يمكن الإشارة إلى البعض منها على الشكل الآتي:
- ان توقف المراقبون امام المواصفات التي أطلقها الرئيس نبيه بري في الذكرى السنوية لتغييب الامام موسى الصدر في نهاية آب الماضي يعتقد كثر انه قفز في خطابه عن سطر منه كان يحتوي اسم سليمان فرنجية. فإن دقّق المراقبون في مواصفاته وحديثه عن جَمع الرئيس لحيثيات مسيحية اسلامية يقتضي ان يحظى برضى «الثنائي الشيعي». فجميع المرشحين يحظون بالحيثية المسيحية نتيجة التعددية التي تعيشها الساحة السنية ايضا وربما الدرزية بشكل من الأشكال. لكنّ اياً منهم لم يحظ بعد بـ»نعمة» تسميته من «الثنائي الشيعي» لينال الحيثية التي يحتاجها المرشح، وهي التي أقفلت على نفسها باعتمادها حتى الجلسة الاخيرة الورقة البيضاء. وان تردّد انّ كتلة «التنمية والتحرير» قد تخرج من إطار الورقة البيضاء قد يكون ذلك مستبعدا ان لم يكن مستحيلا من دون ان يتزامن موقفها مع موقف كتلة «الوفاء للمقاومة»، فهما في المعركة الواحدة ولم يحن أوان الانقسام بعد في اي مجال فكيف بالحري تجاه الاستحقاق الرئاسي.
- وان توجهت الأنظار والاهتمامات نحو مواقف الكتل النيابية الأخرى المؤيدة لترشيح النائب ميشال رينيه معوض فقد لا يظهر اي جديد. الفرز القائم بين مؤيديه الثابتين واولئك الذين تبنّوا ترشيحه بنحوٍ محدود في الجلسة الاخيرة قد يكررون التجربة. وان زادوا اسماً او اسمين ام نقص منهم عدد مماثل، فإنّ ذلك لن يبدّل في نهائية المواجهة ولا يقرّبه من النصف زائداً واحدا كما يعتقد البعض ان توحدت المعارضة والتغييريين مع النواب المستقلين. فالأجواء لا توحي بنجاح مساعي الوحدة على رغم مما حققه لقاء النواب الـ 27 الاسبوع الماضي من صدمة ايجابية، ولكن وحتى كتابة هذه السطور فإنّ التفاهمات على القطعة لم تشمل بعد «الاستحقاق الرئاسي».
- وإن توقف المراقبون امام لائحة النواب المنضوين تحت لواء «كتلة النواب التغييريين» فقد تَشظّوا بما فيه الكفاية. وإن ظلّوا على مواقفهم المتفرقة سيكون من الصعب احتسابهم إلى جانب هذا المرشح او ذاك وقد يستمر البعض منهم ممّن يهوى دور «حصان طروادة»، فإنّ وضعهم في سلة واحدة بات مستحيلا وقد يأتون بأسماء جديدة ما يزيد من تشرذمهم.
وبناء على ما تقدّم فإنه وفي انتظار ان يقول نواب «لبنان القوي» كلمتهم في اجتماع الكتلة اليوم، ستظهر اسماء جديدة بعد غد، ولو كان من يسمّونه لن يكون «حصان المرحلة» فقد يختارون اسماً بُغية حَرقه سواء ان كان مرشحا ام لا وقبل ان ينالوا تفويضه. فالمعركة توحي بضرورة التمايز عن الحلفاء و»الثنائي الشيعي» خصوصاً في محاولة لإبعاد التكتّل عن الفريق الذي كان يسمّى «8 آذار» من دون توليد قوة جديدة تخرج عن مجموع عدد نوابه في محاولة لإحداث خرق جديد في بورصة الاسماء تمهيداً لمرحلة لم ترتسم معالمها الانتخابية في انتظار ما بعد الجلسة المقبلة.
وإلى أن تتبدّل هذه المواقف السلبية في اتجاه الايجابية، يبقى على المراقبين انتظار ما ستحمله الايام المقبلة من تطورات بات الرهان على تغييرها ربطاً بتحرك اقليمي او دولي يعيد خلط الأوراق مجدداً. فالداخل بات عاجزا عن التوافق على هوية الرئيس خصوصاً انّ بعض المواقف أعطى البطريرك الماروني جوابا عن سؤال خطير توجّهَ به الى النواب يوم الأحد الماضي عندما سألهم لائماً: «ما قيمة تمثيلكم للشعب إذا كنتم لا تملكون القرار؟». وفي انتظار ان تتغير هذه المعادلة ما علينا سوى مزيد من الإنتظارات ربطاً بإشارة بري امس عندما قال: «لبنان قد يستطيع ان يتحمل أسابيع لكنه لا يستطيع ان يتحمل أكثر من ذلك». وعليه طرح سؤال آخر: هل هناك من هو قادر على توفير الجواب وتحديد الموعد؟