الأخبار
«الصحوة» المُستجدّة - المدعومة سعودياً - المٌفعمة بـ «فائض» الحرص على تطبيق الطائف، لا تعدو كونها محاولة أطراف من أفلاك إقليمية ودولية متعدّدة التعمية عن الأسباب الحقيقية للأزمة التي تضع البلاد في مهب الانهيار، وحرفها في اتجاه آخر هو سلاح حزب الله، في ظل الحديث عن «انقلاب» خفي يقوم به الحزب على اتفاق أخرج لبنان من أتون الحرب وكرس اللاءات الثلاث في مقدمته: لا للتوطين، لا للتقسيم، لا لأي شرعية تناقض العيش المشترك.
لم يقل الطائف ما يخيف حزب الله أو يتجاوز خطوطه الحمراء رغم وجود ملاحظات عليه، بل على العكس من ذلك، فقد ثبّت العداء للعدو الصهيوني وكرّس العلاقة المميزة مع سوريا (على عكس ما كان يريده حلفاء إسرائيل) واستثنى سلاح حزب الله من خانة سلاح الميليشيات، بدليل البيان الوزاري لحكومة الطائف الأولى برئاسة سليم الحص (أكد أن «الحكومة لن تألو جهداً ولن تدخر وسعاً في العمل على تحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي بكل الوسائل المتاحة ولا سيما دعم المقاومة…). عليه، ليس في الطائف ما يخشى منه حزب الله، واتهام الحزب بمحاولة استيلاد «طائف جديد» ليس سوى تغطية لمشروع يستخدم الطائف للانقلاب على الطائف نفسه، بالدعوة إلى نزع سلاح حزب الله (تحت شعار نزع سلاح الميليشيات) لضرب القضايا الاستراتيجية التي «شرّعها» الاتفاق.
منذ فترة، اخترع السفير السعودي في بيروت وليد البخاري حملة «الدفاع» عن الطائف الذي يحشد له في «الأونيسكو» غداً، ليردّد «أصدقاء» السفارة صدى تغريداته حول الاتفاق «المقدّس» الذي لا يُمسّ، ونسب «جريمة» العمل لـ «ولادة» طائف جديد إلى حزب الله الذي لم يعلِن يوماً وجود مثل هذه النية، ولم يستثمر يوماً أياً من انتصاراته في لبنان ضد العدو الإسرائيلي، وفي لبنان وسوريا ضد التكفيريين، للمطالبة بتعديل ما في اتفاق أثبتت الانسدادات السياسية التي شهدها البلد أنه بحاجة إلى تعديلات. وهو ما عبّر عنه، بوضوح، نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، في الذكرى الأربعين لانطلاقة حزب الله، في مقالات نشرها في «الأخبار»، معتبراً أنه «لو تابع اللبنانيون تطبيق الطائف لكان أفضل، والحزب مع متابعة التطبيق»، سائلاً «هل يمكن تغيير النظام الطائفي للتَّخلص من الخلل البنيوي؟ إذا كان بعض التعديل تطلّب خمسة عشر عاماً من الاقتتال الداخلي، فهل التَّغيير الجذري له قابلية هادئة؟»، لافتاً إلى أن الحزب «فضَّلَ أن لا يغرق في نظريات لعن النِّظام والمطالبة بتغييره لاعتبارات شعبوية، حيث لا وجود لطرح منطقي مناسب - حتى الآن - لمناقشته والتوافق عليه. والأفضل أن يعمل ويُعالج مكامن الخلل العملي في مخالفة الدستور والقوانين». ولفت قاسم إلى أنه «ليس لدى الحزب طرحٌ لتعديلات محدودة في الطائف لتعديل بعض الصلاحيات، ولا يعتقد أن المشكلة في الصلاحيات بل في التطبيق للطائف، ولكنَّه منفتح على النقاش في ما لو تقدّمت أيّ جهة بفكرة ضمن الإطار الدستوري والقانوني ليكون النقاش والإقرار والرفض بحسب الأصول الدستورية والقانونية المعتمدة».
في ظل وضعية اشتباك داخلي وصِدام إقليمي محتدم، ووسط عدم وضوح الرؤية والقراءة للمتغيرات الإقليمية والدولية وارتداداتها، يبدو الحديث عن الإطاحة بالطائف نوعاً من ضروب المغامرات الخاسرة التي لا يقدِم عليها حزب الله ولا تستهويه. وهو يدرك جيداً أن خطوة بهذا الحجم لا تتم في سياق ظرف سياسي – اقتصادي كالذي يمُر به البلد من انهيار نقدي ومالي، لذا فإن الطائف، على علّاته، أفضل بكثير من فتح صندوق «الباندورا» مهما بلغت حظوظ «الشيعية السياسية» في أي «طائف» جديد. وحزب الله ليس في وارد مقايضة المقاومة وسلاحها بأي ثمن... حتى ولو «صارت صلاحيات الدولة كلها في جيبه».