النهار
كيف ارتسمت المعالم الأولية للمشهد السياسي غداة رحيل العهد العوني ومغادرة الرئيس العماد ميشال عون الذي صار رئيسا سابقا منتصف الليل الفائت قصر بعبدا والى اين تتجه الأمور في قابل الساعات والأيام ؟
مما لا شك فيه ان لبنان دخل رسميا اليوم دستوريا وواقعيا مرحلة الفراغ الرئاسي المثبت، بما سيدفع الازمات المتشابكة في واقعه الدراماتيكي نحو تركيز كل الضغوط الداخلية والخارجية نحو استعجال انهاء “عهد الفراغ” الجديد بأسرع وقت متاح، لان ما احتمله لبنان في حقبات الفراغ السابقة لم يعد يصح راهنا ولم يعد في امكان لبنان الانهيار، الانتظار طويلا لاعادة تركيب انتظام الدولة بانتخاب رأس هرمها. ولذا تتحول المعطيات والعوامل التي تعلي أولوية انتخاب رئيس الجمهورية بمثابة نقطة اجماع سياسية تحتاج بعد نهاية ولاية عون الى ترجمة سريعة اما بالحوار الذي اتجه رئيس مجلس النواب نبيه بري الى الدعوة اليه، واما بوسائل وقنوات أخرى لم تتبلور طبيعتها بعد. وفي ظل هذا العنوان الكبير، فان ما رشح وارتسم من معطيات في الساعات الثماني والأربعين التي واكبت نهاية العهد العوني تشير الى مجموعة وقائع من ابرزها :
أولا : بدا من الواضح تماما ان المحاولة اليائسة التي قام بها الرئيس السابق ميشال عون لاحداث صدمة حكومية في حجم فرط حكومة تصريف الاعمال واحداث فوضى وفراغ دستوري واسع وعميم، قد منيت بانتكاسة فورية يمكن اعتبارها أولى الانتكاسات والهزائم السياسية الفورية لعون بعد رحيله عن الحكم والسلطة. ذلك ان سقوط أي سند دستوري لمرسوم قبول الاستقالة الذي أراده عون قنبلة سياسية امام العونيين في باحة قصر بعبدا لم يرق اطلاقا الى مستوى اجتذاب أي قوة استقطاب لجعل مرسوم متجاوز للدستورية يشل حكومة تصريف الاعمال تحت حجة عدم شرعيتها لتولي صلاحيات رئاسة الجمهورية بالوكالة.
ثانيا: كشفت الساعات التي اعقبت خروج عون من بعبدا مدى العزلة العميقة التي أحاطت بانتهاجه نهج التصعيد الداخلي والاتجاه مع تياره الى محاولة احداث فرز سياسي – طائفي لاشعال حرب على الحكومة، فجاءت المواقف الجدية المعلنة او المكتومة من قبل حلفائه وخصومه سواء بسواء لتثبت ان أي طرف في الداخل لا يشجع ولا يرغب في افتعال اضطرابات من شأنها ان تنزلق بالبلاد اكثر نحو متاهات بالغة الخطورة. يثبت ذلك غياب أي مواقف سياسية حادة او استفزازية في الملف الحكومي، فيما يبدو واضحا ان ثمة اقتناعا غالبا بضرورة التزام الحكومة بالتقييد الذي يفرضه واقع تصريف الاعمال أساسا، بالإضافة الى ضرورة التوجه نحو استعجال انتخاب رئيس الجمهورية الرابع عشر كاولوية دستورية ووطنية وميثاقية ووجودية بالكامل.
ثالثا : سقط التهويل بشل حكومة تصريف الاعمال الذي يعتبر هدفا تدميريا انتحاريا لاحداث الفوضى في ظل مضي الحكومة في عملها كما في ظل التراجع عن التهديدات بامتناع وزراء معينين عن ممارسة واجباتهم الوزارية لئلا يعين بدلاء منهم من الوزراء الذين يحملون حقائبهم بالوكالة. ولم يكن مشهد وصول الرئيس ميقاتي امس الى الجزائر لتمثيل لبنان في القمة العربية سوى دليل على مضي الحكومة في عملها علما ان وزيرين من الوزراء المحسوبين على عون هما في عداد الوفد الرسمي الى القمة. وبدا لافتا ما ذكر عن ان المدير العام لرئاسة الجمهورية اتصل امس بميقاتي قبل سفره وعرض عليه اصدار مرسوم تشكيل الحكومة كما هي ولكن ميقاتي رفض ذلك .
رابعا: مع دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري المجلس الى جلسة الخميس لتلاوة رسالة الرئيس السابق ميشال عون الى المجلس التي يطالب فيها بسحب التكليف من الرئيس نجيب ميقاتي وتشكيل حكومة جديدة، يكون الجواب على الرسالة قد حسم واقعيا سلفا باعتبار المضمون فاقدا للجدوى الدستورية بما يمكن معه اصدار توصية لحكومة تصريف الاعمال بالتزام ما التزمه سلفا وعلنا رئيسها في اطار المنحى الدستوري المقيد وعدم الدعوة الى جلسات لمجلس الوزراء الا في الحالات الطارئة الاضطرارية فقط.
وفي حين انتهت رسميا ولاية عون منتصف الليل الفائت، وصل ميقاتي امس الى الجزائر لتمثيل لبنان في القمة العربية، في دورتها الحادية والثلاثين التي ستعقد اليوم وغدا، وكان في استقباله في مطار هواري بومدين الوزير الاول في الجزائر ايمن بن عبد الرحمن، ووزير الخارجية رمطان لعمامرة والامين العام لجامعة الدول العربية احمد أبو الغيط . وضم الوفد الرسمي اللبناني الى القمة وزير الخارجية عبدالله بو حبيب، السفير اللبناني في الجزائر، مدير القسم العربي في وزارة الخارجية علي المولى، والمستشار الديبلوماسي للرئيس ميقاتي السفير بطرس عساكر. واصطحب ميقاتي معه وزير الطاقة والمياه وليد فياض الذي سيجري محادثات مع المسؤولين الجزائريين تتناول التعاون النفطي بين البلدين.
المجلس والترددات
في المقلب النيابي “والتزاما بالنص الدستوري”، دعا الرئيس بري مجلس النواب الى عقد جلسة في الحادية عشرة قبل ظهر الخميس المقبل، لتلاوة رسالة رئيس الجمهورية التي اعلن قبيل مغادرته بعبدا انه وجهها الى البرلمان لمحاولة سحب التكليف من رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي. وأفادت أوساط نيابية انها جلسة لزوم ما لا يلزم ما دامت نتيجتها محسومة سلفا وما دام احد لن يسحب التكليف باستثناء نواب “التيار الوطني الحر” خصوصا ان تجربة مماثلة اقدم عليها الرئيس عون ابان تكليف الرئيس سعد الحريري باءت بالفشل.
وفي هذا السياق لفت رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل الى المادة 75 من الدستور وقال “إن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أي عمل آخر”.
وفي الاصداء السياسية التي تركتها صورة الوداع الحزبي الذي أقيم في بعبدا لعون توجه رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الى “كل مواطن لبناني شارك في حشد الامس”، قائلاً “حينما عاد كل واحد منهم الى بيته، هل وجد ماء وكهرباء وفرصة عمل لابنه أو أخيه؟ هل استرد وديعته من المصرف؟ هل أوقف هجرة خيرة شباب لبنان؟ والاسئلة تكاد لا تنتهي الا يعيش هؤلاء ظروف القهر والذل والحرمان التي يقبع في ظلها اخوتهم في المواطنة؟ “. وعن خطاب عون، قال جعجع، “لم أستغرب ما ورد فيه للحظة، الرجل هو هو، منذ تعرفت إليه عن كثب عام 1986 لم يجرِ إعادة قراءة لمساره السياسي، والانكى انه يتجه انحدارياً. المأساة مستمرة معه ، فكلما أقفل مشهداً تراجيدياً يفتح البلاد على آخر أكثر مأسوية ، على غرار خطوة توقيع مرسوم استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، المستقيلة حكماً، وفي ذلك انتقاص من صلاحيات رئيس الجمهورية التي لا ينفك يشكو منها عون وباسيل، وهما أكثر من ينتقصان منها ويهشمانها. فعوض أن يختم عهده بخطوة إيجابية قدم سلة من السلبيات لا علاقة لها لا بحقوق المسيحيين ولا باللبنانيين عموماً، وانما ليكمل مبارزته الشخصية مع ميقاتي”.
فرنسا وايران
في المواقف الخارجية من الوضع في لبنان دعت الخارجية الفرنسية “البرلمان اللبناني إلى انتخاب رئيس جديد للبلاد دون إبطاء”، واشارت في بيان الى أن “فرنسا دعت النواب اللبنانيين إلى انتخاب رئيس جديد دون إبطاء، كما دعت السياسيين الى تحمل مسؤولياتهم وان يكونوا على مستوى المرحلة، لما فيه مصلحة لبنان واللبنانيين”. واعتبر بيان الخارجية ان “لبنان يمر بازمة اقتصادية ومالية واجتماعية خطيرة وغير مسبوقة، تتطلب تفعيل عمل المؤسسات واتخاذ الاجراءات اللازمة للنهوض بالبلد وتحسين الظروف المعيشية للبنانيين”.
وفي المقابل أمل المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، أن “يوفّر المجتمع اللبناني والتيارات السياسية فيه الأرضية اللازمة لتشكيل حكومة قوية على أساس المصالح الوطنية”. وأضاف كنعاني رداً على سؤال حول لبنان، “إنّ سياسة إيران المبدئية هي دعم التوجّهات الوطنية القائمة على إرساء الاستقرار والأمن والهدوء وتشكيل حكومة قوية في لبنان بما يحقّق مصالح الشعب اللبناني ويرسّخ الاستقرار فيه ويساعد في تقوية دوره الإقليمي والدولي”. وأشار إلى أن “لبنان من الدول الصديقة لإيران ومن جيرانها الجيّدين في المنطقة، وقد كانت إيران دائمًا في الجانب البنّاء للتطوّرات السياسية في لبنان واستخدمت طاقاتها وقدراتها بالتشاور مع الأطراف اللبنانية لتدعيم العملية السياسية فيه”.