النقيب السابق للمحامين في طرابلس، الوزير السابق رشيد درباس
لا أقول إننا على أبواب ولاية جديدة، فذاك في علم العليم، ولكننا على أبواب صفحة جديدة، لم تكدرها بعد العنعنات والمكابرة والمشاحنات، واستدراج العداوات، وهي صفحة صالحة ومؤهلة لكل كتابة نقية تستعيد التجربة السابقة بعين النقد، وتفتح أبواباً للبحث المشترك عن حلول مشتركة، فمثلنا الآن كمثل سفينة في خضم هائج، اختلف بحّارتها على أداء محرّكها وعلى كيفية إصلاحه، فيما بدن السفينة مصاب بثقوب خطيرة تتدفق من خلالها الأمواج إلى العنابر، بما يهدّد بالغرق الوشيك، أفلا يكون من واجبنا إذن أن نُهرع إلى سد الثقوب ومنع التسرب لتكون بعد ذلك أمامنا فسحة للاتفاق على طريقة تشغيل المحرّك، علماً أنّ إصلاح المحرّكات يتمّ وفق الكاتالوج الصادر عن الشركة المصنعة، وفي الدول التي تصاب آلاتها وآلياتها بأعطاب، لا بد لها من الرجوع إلى الكاتالوج الخاص بها، أي الدستور وحُسن النيّة في تطبيقه، والرغبة الصادقة في الإنقاذ والخروج من الحفرة المزمنة.
ولنا اليوم في المثل البريطاني أسوة، إذ تجاوز الانجليز تاريخهم الاستعماري وغطرستهم وعنصريتهم، وقام حزب المحافظين اليميني بإحلال ريشي سوناك الهندي الأصل، الهندوسي الديانة مكان ونستون تشرشل ولويد جوج ومارغريت تاتشر أملاً بالإنقاذ وتخطي الأزمة.
يغادر الرئيس عون القصر الجمهوري وهو مؤمن بأنه أدّى واجبه، وهناك من له نظرة أخرى مضادة، ولكنني أعتقد أنّ المحاسبة تحتمل الانتظار، أما محاولة الإنقاذ فهي الآن الآن وليس غداً.
في النهاية، ومن باب الدعابة يحكى أن الخوجة نصر الدين، الشهير بجحا، ربط حماره، ودخل دكاناً لقضاء حاجة، فلمّا خرج لم يجد الحمار، فاستشاط غيظاً وراح يذرع الشوارع هاتفاً متهدّداً ومتوعّداً بأنه إذا لم يسترجع حماره في مهلة ضيّقة حدّدها، فإنه سيفعل ما فعله والده قبل سنين عندما سُرق حماره؛ وكان كلّما فات الوقت ازداد حنقاً وازبدت شفتاه، إلى أن تجرأ أحدهم سائلاً: لقد أقلقتنا بتهديدك، فهلّا قلت لنا ماذا فعل والدك، حتى نأخذ احتياطنا منك، فأجاب جحا متحسّراً:" عندما لم يجد أبي حماره، عاد إلى البيت سيراً على القدمين..."
ما زالت أمامنا فرصة لنعود سيراً على أقدامنا... إلى بيوتنا دون هزائم جديدة.