النقيب السابق لمحامي الشمال، الوزير السابق رشيد درباس
كنت بصدد التفكير في موضوع مقال هذا الأحد، فنتبّهت أن موعده قريب من عيد ميلاد ابني توفيق وقد بلغ الثامنة والأربعين، فهدتني ذاكرتي إلى ما كتبتُ فيه عندما كان في العاشرة فقلت في ما قلت:
نشرت جناح الفخار خفضت جناحاً حنونْ
ورحت تمدّ المهيض بريش عجيب الفنونْ
أقطف حروفاً ترفرف فوق المتونْ
أريق المداد مدى واحة من بديع الظنونْ
فمنك امتشقت الدواة النمير بوجه المنونْ
أراني بوجهك انقى وأرقى ووعداً هتونْ
أرى السالفات تجدد فيك فتحلو السنونْ
لأنك أمسي.. لأنك من فاتني أن أكونْ
ولقد لقيت هذه القصيدة استحساناً واسعاً من قبل أصدقائي الأباء الذين أجبروا أبناءهم -أي زملاء توفيق في المدرسة- على حفظها، كما فعل الرئيس السابق لهيئة التفتيش القضائي وليد غمرة وخلفه الرئيس طارق زيادة الذي سأل توفيقاً عن رأيه في تلك الأبيات، فأجابه بخبث لا يخلو من البراءة:
"صراحة لم أفهم شيئاً"
ولكني في يوم السابع من شباط من العام 2020 أردت أن أضيف على تلك القصيدة القديمة فقلت :
هَلَّ تَوْفيقُ كَمَا الفَجْرُ نَدِياًّ .. وَنَقِيّاً
صَدَحَتْ كَرْكَرَةُ الطِّفْلِ ..
فَرَدَّتْنِي صَبِيَّا
إِنْ حَبَا .. دبَّتْ خَيالاتُ غَدٍ ..
في مُقْلَتَيَّا
أوْ بَدَا ضُرٌّ عَلَيْهِ .. جَزِعَ الأهْل عَلَيَّا
أَجْمَلُ الشِّعْرِ .. اخْتِراقٌ
لِفَضَاءاتِ حُروفٍ .. وَظُنونْ
أرْوَعُ الأَلْوانِ شَقٌّ لِـجِدارِ اللَّوْحَةِ الصَّمَّاءِ ..
في مَرْقَى الفُنونْ
طَيَرانٌ شَبَّ عن ريشَتِهِ مُسْتَشْرِفاً ..
ما قَصَّرَتْ عَنْهُ العيونْ
أحْسَنُ الأَوْلادِ .. ما فَاتَ أباهُ أن يَكُونْ
بعد هذا أرسلت الأبيات بصوتي لتوفيق في محل إقامته في دبي فهتف لي، وسألني بخبث خالٍ من البراءة هذا المرة:
"بابا.. فيك تشرح لي شو قصدك؟"
أردت في هذا الصباح أن أروّح عن نفسي وعن الأباء والأمهات، بالاستمتاع بالحديث عن الأولاد، ولكن ما تملّكني من استهجان من ليلة الخميس شكل لي صداعاً وهلعاً كما كل الذين شاهدوا تلك الحلقة المريرة لبرنامج "صار الوقت"، إذ ما كاد يفرغ جورج غانم من حديثه الرصين والممتع، حتى اندلع رئيس لجنة المال والموازنة كاندلاع أخيل في وجه هكتور في ملحمة الالياذة، وراح ينسب لنفسه وعشيرته فضائل كشف خطط رفيق الحريري المدمّرة، على حسب رأيه بما أوصلنا إلى الإفلاس ولم ينسَ أن يُعيّر النائب السابق الهادىء روبير فاضل بانتمائه الى الحريرية مع أنه لم يكن عضوا في كتلة المستقبل.
الآراء تتضارب، وهذا حق، بل سر الحياة القائمة على الاحتكاك والتلاقح...
وكلام النائب كنعان قد يكون صواباً يحتمل الخطأ، كما كلام فاضل الذي قد يكون فاضلاً أو لا يكون، ولكن الحوار ليس تراشقاً بين العصر البرونزي الذي ينتمي إليه الكنعانيون، وبين أبجدية الـ A.B.C التي برع فيها آل فاضل.
بل هو يدور حول أرقام تحدّد مصير ملايين اللبنانيين، ولا تحتمل تأويل الخطباء أو تحريف مدعي المعرفة.
تعرّض أحد الحضور للاعتداء أو التهديد، لأنه تجرأ فقال إن رفيق الحريري مات في العام 2005 عن 30 مليار دولار دَيْن أُنفقت معظمها في الإعمار وازالة آثار الحرب، فيما أُنققت أربعون ملياراً فقط ثمن العتمة التي أنعم بها علينا وزراء الطاقة المتعاقبون الذين يؤمنون، كجبران.. بأن نور الشمس يغني عن كل نور.
أصدقكم القول، بأنني خائف حتى الرجفة ليس من الإفلاس الذي ارتكبوه بحق الوطن، بل من خطاب ظالم، وصلف غاشم، وانكار لا يقترفه الا الحمقى.