الأخبار
يعيش لبنان أياماً مفصلية، ما بعدها ربما لن يكون كما قبلها، لا سيما إذا لم تنجَح مشاورات ربع الساعة الأخير في إنقاذ استحقاق تأليف الحكومة، إذ ستكون البلاد في 31 تشرين الأول (انتهاء ولاية عهد الرئيس ميشال عون) على موعِد مع فراغين عنوانهما «الفوضى الاجتماعية الدستورية» كما قال رئيس تكتل «لبنان القوي» النائب جبران باسيل أمس في مقابلة عبرَ قناة «الجزيرة» القطرية. ولذلك، تكثفت في اليومين الماضييْن الاتصالات التي يقودها حزب الله والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم لرفع الحواجز بينَ عون وفريقه من جهة ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي من جهة أخرى.
وحتى مساء ليل أمس، كانت الاجتماعات مستمرة بين الوسطاء وكل من الرئيس المكلف وباسيل. علماً أن الساعات الـ 24 الماضية دلت على «صبيانية» تتحكم بكل التواصل الذي يستهدف الاتفاق على تشكيلة يعلن عنها خلال يومين كما يرغب الوسطاء. إلى درجة أن أحد المعنيين بالاتصالات قال إن نهار أمس انتهى على لا شيء بسبب لعبة القط والفأر التي تميزت بها مواقف الطرفين الأساسيين.
وقالت مصادر معنية بالتأليف «إننا أمام ساعات حاسمة يتحدّد معها مصير البلد برمته»، وسطَ تقديرات لا تُسقِط من الحساب صعوبة التشكيل، خصوصاً أن المداولات التي حصلت أكدت أن «لا شيء تغيّر منذ شهرين حتى اليوم في التعامل مع الملف». المصادر نفسها قالت إن «الحزب واللواء إبراهيم تقصدا الإعلان عن المشاورات وإبرازها وكشف الاتصالات والاجتماعات لهدفين: الأول، التأكيد على المسعى الجدي الذي استؤنِف، وثانياً لرفع تهمة التعطيل إذا لم يحصل توافق بين باسيل وميقاتي».
وكانت الجولة الجديدة من المفاوضات بدأت باجتماع بين المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين خليل مع الرئيس ميقاتي ومن ثم حصل تواصل بين ميقاتي واللواء إبراهيم. وعرض ميقاتي صيغته للتغيير التي تقول بأنه يريد إبعاد ثلاثة وزراء هم: وزير المالية يوسف خليل بطلب من الرئيس نبيه بري، والوزير عصام شرف الدين الذي لا يتوافق معه على شيء، والوزير أمين سلام لأنه يريد تغيير العمل في وزارة الاقتصاد ويفضل أن يعطي المقعد لأحد أعضاء تكتل عكار السني. وعندها قيل لميقاتي إن هذا التغيير يوجب أن يكون مقابله تغيير ثلاثة وزراء مسيحيين، وهو ما يطالب به باسيل. فوافق ميقاتي، لكنه قال إنه يريد تغيير وزير الطاقة وليد فياض الذي «لا يجيد إدارة هذه الوزارة الحساسة وكذلك الوزيرة نجلا الرياشي وليختر باسيل الوزير الثالث. فرد باسيل بأن الأمر لا يتم على هذا النحو. وإذا كان ميقاتي يهتم بتغيير الوزراء المسلمين الثلاثة بالتعاون مع بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، فإن تغيير الوزراء المسيحيين الثلاثة يكون من حصة الرئيس عون والتيار وليست له علاقة بمن يقترح إبعاده وبمن يتم تسميته كبديل. وقال باسيل إنه يوافق على تغيير الوزيرين رياشي وعبدالله بو حبيب، لكنه لا يريد تغيير فياض، بل ربما يريد تغيير الوزير وليد نصار، وأنه هو من يختار البدلاء. وعندما وجه إليه السؤال عن الأسماء البديلة، قال إنه يسلمها إلى الرئيس عون الذي يضعها في خاناتها يوم مجيء الرئيس ميقاتي باللائحة الجديدة. فرفض ميقاتي لأنه لا يريد بقاء فياض في وزارة الطاقة، مشيراً إلى أنه يقبل بتسمية وزير بديل عنه من قبل باسيل، ولكنه يريد الأسماء قبل الذهاب إلى القصر الجمهوري لأنه هو من يضع التشكيلة قبل مناقشتها مع الرئيس عون.
وتحدثت المصادر عن إشكالية إضافية تمثلت في إعلان باسيل أنه لن يمنح الحكومة الثقة حتى ولو استُجيب لمطلبه تغيير وزراء فيها، مبرراً ذلك بأن رئيس الحكومة ملزم بحصول التغيير كونه يريده، وباغت باسيل الوسطاء بإبلاغهم أن ميقاتي يفاوضه عبر قناة أخرى هي الوزير نصار الذي قال له إن ميقاتي لا يمانع عدم منح التيار الثقة للحكومة الجديدة. وعندما فاتح الوسطاء رئيس الحكومة بالأمر، نفى أن يكون هو من طلب من نصار التوسط، بل قال إن نصار جاءه مكلفاً من قبل باسيل.
وفي آخر تواصل حصل عصراً، قالت المصادر إن الوسطاء شعروا بضيق جراء عمليات إلقاء المسؤولية من كل طرف على الآخر، خصوصاً أنه بعد اللقاء الذي جمع باسيل واللواء إبراهيم ومسؤول الارتباط والتنسيق في حزب الله وفيق صفا في مكتب التيار الوطني اتفق على «قبول باسيل بتغيير ثلاثة وزراء مسيحيين هم عبدالله بو حبيب ونجلا الرياشي ووليد نصار، وعدم تسمية سياسيين، لكنه اشترط الكلام مع حزب الطاشناق أيضاً الذي يريد تغيير وزيره في الحكومة جورج بوشكيان لأنه يريد فصل العمل النيابي عن الوزاري ويطرح اسم وزير السياحة السابق أواديس كيدانيان»، فيصبِح عدد الوزراء المسيحيين الذين سيتم استبدالهم 4 بدلاً من 3، وهو ما لم يوافق عليه ميقاتي. فضلاً عن إصرار الأخير على تطيير وزير الطاقة، أو على الأقل نقله إلى وزارة أخرى وهو ما يرفضه باسيل بالمطلق».
وفي السياق، اعتبرت مصادر بارزة «أننا ما زلنا في المربع الأول، على عكس كل التسويق الإيجابي، فحتى الآن لم يحصل توافق على التغيير في الحقائب وعدد الوزراء، وفي حال نجح الوسطاء في تقريب وجهات النظر فسنكون أمام مشكلة الأسماء، وهذه مشكلة أخرى حتى الآن لم تناقش بشكل عميق وقد تأخذ فترة أطول»، فـ«الصعوبات التي تعترض التفاهم على الحكومة تنسحب بدورها على الأسماء، ما يعزز فرضية عدم تأليفها».