عماد مرمل - الجمهورية
لا تزال القوى الداخلية المعنية باستحقاق انتخاب رئيس الجمهورية مُنكبّة على محاولة تنظيم الصفوف وحشد الاصوات بغية إمرار مرشحها المفضّل اذا استطاعت، وإلا لتحسين شروطها التفاوضية على المرشح التسووي.
أفصَح رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد قبل أيام عن بعضٍ من المواصفات التي يبحث عنها «حزب الله» في شخصية رئيس الجمهورية المقبل، إذ أكد ان الحزب يريد «رئيساً لديه رِكَب، ولا يأمره الأميركي فيطيع، بل يُطيع المصلحة الوطنية، كذلك يجب أن يحترِم ويعترف بدور المقاومة في حماية السيادة الوطنية».
لكنّ التحدي الذي يواجه الحزب وحلفاؤه يكمن في الاتفاق بينهم أولاً على مرشح مقبول منهم جميعاً ثم محاولة استقطاب الدعم له من كتل أخرى.
ولعل فريق الحزب والحلفاء يعرف انه ليس سهلاً وسط الانهيار الكبير على كل الصعد الاستمرار طويلاً في خوض المعركة الرئاسية بسلاحَي الورقة البيضاء تارة وتعطيل النصاب طوراً، ذلك أنّ استخدام هذا النوع من الأسلحة قد يفيد في الأوضاع الطبيعية. أمّا وسط الظرف الاستثنائي الذي يمر فيه البلد فلا يمكن الإفراط في استعماله وتحويله من تكتيك موضعي الى استراتيجية دائمة.
واذا كان «حزب الله» يركّز على البعد الاستراتيجي للرئيس المقبل بحيث تكون لديه رِكَب ولا يخضع لواشنطن، الا ان رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل يبدو اكثر اهتماما ببُعده الاصلاحي رافضا ًان يصل إلى بعبدا من هو «أسير المنظومة» كما أكد في خطابه لمناسبة ذكرى 13 تشرين، موحياً عبر هذه الاشارة بأنه يقصد رئيس تيار المردة سليمان فرنجية.
في المقابل، ينتظر فرنجية على الارجح من الحزب أمرين، هما: وضوح اكبر في المجاهرة بدعمه ولو من دون ترشيحه رسمياً لحمايته، ودخول قوي على خط باسيل لتذليل العقبات التي تمنع تأييد ترشيحه.
ليس خافياً انّ الحزب يتمنّى بكل جوارحه رؤية فرنجية في قصر بعبدا، لكنه يعرف انّ عليه بدايةً إقناع الأقربين بهذا الخيار قبل أن يبشّر به عند الآخرين على الضفاف السياسية البعيدة.
ومن عناصر قوة فرنجية التي ترفع أسهمه في الضاحية انه مُتموضِع استراتيجياً ضمن حلف 8 آذار، ومنفتح في الوقت نفسه على الجميع في الداخل والخارج بحيث يستطيع مد الجسور في اتجاهات مختلفة، الأمر الذي يحبّذه الحزب لتخفيف الضغوط الإقليمية الدولية على لبنان، من دون التنازل عن الثوابت.
الّا ان موقف باسيل يبدو حتى الآن قاطعاً في معارضته لانتخاب رئيس «المردة»، الى درجة انّ اوساطاً قريبة من التيار الحر تفترض، ولو من باب «المجاز السياسي»، انه اذا انعدمَت الخيارات البديلة وكان على الرجل الاختيار بين سليمان فرنجية وميشال معوض حصراً، لاختار الثاني على رغم الخلاف السياسي معه.
بالنسبة إلى باسيل فإن فرنجية لن يصل وحده الى بعبدا بل سيكون معه الرئيس نبيه بري وأركان ما يسمّيها «المنظومة» التي ستستعيد، في رأيه، خلال عهد «المردة» حيويتها ونشاطها مجدداً.
وأمام أزمة الثقة المُستفحلة بين اللقلوق وبنشعي، هناك في 8 آذار من يفترض انّ على فرنجية بدوره المبادرة وتفعيل حراكه لتسهيل مهمة الثنائي الشيعي. وهنا، يؤكد العارفون انّ فرنجية مستعد للانفتاح على باسيل إنما يرفض ان يكون في موضع مَن يستجدي الرئاسة او يخضع للشروط.
وما يخشاه الحزب هو ان تؤدي حساسيات الحليفين المفرطة الى فقدان فرصة الإتيان برئيس من نسيج 8 آذار يَختزن المواصفات التي شرحها رعد، والدفع الى القبول لاحقاً بتسوية اضطرارية تحمل شخصية وسطية الى رئاسة الجمهورية بدل تكريس مبدأ بقاء سدة الرئاسة في حوزة محور المقاومة وأصدقائها، ضمن إطار تثبيت التوازنات في السلطة، خصوصاً مع رئاسة الحكومة.
وإزاء احتمال ان يعزّز الفراغ الزاحف الاسهم الرئاسية لقائد الجيش العماد جوزف عون، تعتبر اوساط سياسية في 8 آذار ان مصلحة باسيل في مثل هذه الحالة تكمن في دعم فرنجية، لأنّ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله يمكن أن يشكّل، على الاقل، ضمانة للعلاقة بين فرنجية الرئيس وباسيل الحليف، في حين ان المعادلة كلها تتغير مع مرشح مختلف.
وبناء عليه، يتخوّف الحزب من ان تطغى الحسابات الموضعية على المصالح الاستراتيجية، وان يؤدي خلاف رئيسَي «التيار» و»المردة» الى إضعاف أوراق الصف الواحد ودَفعه الى تنازلات بالإمكان تفاديها.