الجمهورية
فادي عبود
بدأ المرشحون المحتملون لرئاسة الجمهورية بإطلاق برامجهم الانتخابية ووعودهم، وتتضمن هذه البرامج مجموعة من الأفكار العامة الاقتصادية والاجتماعية، ولكن اكثر ما لفتتني فكرتين يتمّ استعمالهما بكثرة في الحياة السياسية اللبنانية من دون التعمّق في معنيهما.
اولاً: السيادة
يتعهّد عدد من المرشحين السياسيين بتحقيق السيادة للبنان، او استعادة سيادة لبنان، فما هي السيادة في هذا الإطار؟ وما هو المقصود بها؟ هل السيادة أن يمتلك لبنان قراره بالكامل من دون اي تدخّل دولة اخرى في قراراته؟ ام انّ السيادة ان يمتلك الاكتفاء الاقتصادي؟ ام انّ المقصود بالسيادة ان يكون السلاح في يد الدولة حصراً؟ وفي مقابلة لأحد المرشحين على إحدى القنوات التلفزيونية، كان هناك تناقض واضح، إذ اعتبر انّ استعادة سيادة لبنان هي اولوية، ثم اضاف انّه إذا لم يصلح لبنان علاقاته بالدول الغربية ودول الخليج فلن يتمكن من الحصول على مساعدة صندوق النقد الدولي، وهذا سيكون له أثر سلبي كبير، فأين السيادة في هذا السياق؟
يتمّ تعريف السيادة بأنّها سيادة داخلية تتجلّى بمفهوم حرّية الدولة في ادارة شؤونها الداخلية وفرض سلطتها على كل ارضها. اما السيادة الخارجية فهي حق الدولة في التعامل مع الدول الاخرى على أساس المساواة (oecd .org).
واعتبر عدد من الباحثين انّ النظام العالمي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية والعولمة أثّرا في سيادة الدول وفي حريتها في اختيار نظامها السياسي والاقتصادي والثقافي. يُضاف إلى ذلك، السيطرة الاميركية على القرار الدولي وتدخّل المنظمات الدولية في شؤون كثير من الدول. فما هي الدول التي تتمتع بسيادة حقيقية في ظلّ هذا النظام الجديد، فيما أكثرية الدول اليوم لا تمتلك قدرة المناورة في النظام العالمي الراهن. يُضاف إلى ذلك سياسة العقوبات التي تفرضها دول على دول أخرى.
من الضروري ان نتمتع بالواقعية في هذا الإطار. فالدول الاكبر منا تضطر إلى ان تساوم، وبالتالي علينا ان نتعايش مع المعقول ونحاول إخراج أنفسنا قدر المستطاع من المشكلات الدولية، على امل ان تصطلح حال الدول وتوقف النزاعات. ونتمنى على رجال السياسة ان يلتزموا التواضع ويتعهدوا بوعود ضمن قدراتهم.
ثانياً: استقلالية القضاء
انّ واقع الفعالية القضائية يطرح جدلاً في كل الدول، حيث يجري البحث حول فعالية الأنظمة القضائية والسبل الأنسب لتحقيقها. ففي الغالب مهارة المحامين وقدرتهم على استغلال القوانين لمصلحة موكليهم هي ما تحدّد نتيجة القرار النهائي. وعندما ترتبط العدالة بمهارات اشخاص، محامين كانوا ام قضاة، فهل هي عدالة؟
وهذه المشكلة عالمية، وليس فقط في لبنان، ونود لفت النظر اليها، واقتراحاتنا الاولية هي:
- اولاً، وضوح القوانين وسلامتها وعدم كثرتها. فمن غير المنطقي ان تكون القوانين معقّدة وغير مفهومة، فكيف سيلتزم المواطن بها؟ يجب ان يكون المحامي قادراً على إخبار موكله مسبقاً نتيجة المحاكمة بناءً على قوانين واضحة. الواقع اليوم، انّ غموض القوانين وكثرتها وتناقضها في بعض الأحيان، تعطي المحامي هامشاً للمناورة واللعب على القوانين وبالنتيجة يربح المحامي الأكثر مهارة وخبرة وتمرّساً، وهذا لا يُسمّى قضاءً عادلًا. هذا في أحسن الحالات، ولم نتطرق بعد إلى العلاقة بين المحامي والقاضي، قال احدهم انّ المحامي القدير هو المحامي الذي بنى علاقات مع القضاة.
- ثانياً، ان تكون المحاكمة وقرار الحكم علنياً وشفافاً، ونعرف انّه اختراق للخصوصية، ولكن لا شيء مثالياً، وفي هذه الحالة علينا ان نختار ما الأهم، نزاهة، الأحكام وعدالتها ام الحفاظ على الخصوصية؟
- ثالثاً، الطلب من مواطنين نجحوا ويملكون إنجازات، ان يلعبوا دور مراقبة القضاء لفترات معينة يتمّ تعيينهم او انتخابهم، ونحاول ان نضعهم لمراقبة حالات ليس لهم مصلحة فيها الّا المصلحة العامة، وفي حالات يملكون فيها خبرة واطلاعاً.
بالطبع هذه ليست حلولًا جذرية وتتطلب درساً معمقاً، انما إعطاء القضاء استقلالية من دون أخذ الاحتياطات اللازمة هو عمل خطير جداً، ويشبه خلق ديكتاتوريات مستقلة ذات سلطة مطلقة من دون رقابة.
يجب التعمّق في المصطلحات قبل اعتمادها والمطالبة بها، ونعتقد انّ المطلب الواقعي الذي يملك اثاراً مباشرة على الأداء اللبناني هو مطلب الشفافية المطلقة والبيانات المفتوحة. فالشفافية قادرة على معالجة معظم مشكلاتنا. مثلاً على الهامش سيتمّ إقرار اتفاق الترسيم البحري، وحتى الآن لم يطّلع احد على النسخة الرسمية منه سوى المسؤولين المباشرين عن التفاوض. لم يتمّ شرح آلية الترسيم بمحطاتها كافة وتفاصيلها ومعانيها وكل المراسلات والاتفاقات السابقة والقوانين والمراسيم السابقة، فكيف يتمّ اتخاذ موقف في هذا السياق قبل الاطلاع على كل ذلك؟ هذا غموض غير مقبول، نطالب بالشفافية، اي ان يكون كل الملف واضحاً وفي متناول الشعب، لكي يتأكّد من المسار التفاوضي وصحته وسلامته.