أنطوان الأسمر
إنتهى النزاع الحدودي البحري مع إسرائيل على ما لا يأمل بعض المسؤولين الذين لا يزالون يتصرفون في هذا الملف الإستراتيجي كما في مسألة تأليف الحكومة وغيرها من الملفات السياسية والإصلاحية، بكيدية واضحة قائمة على عدم جواز منح أي ربح لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون ولرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل.
قد يكون التكتيك السياسي متاحا ومسموحا إلى حد. لكن ما ليس مفهوما كيف لمسؤولين في صلب المنظومة ولرؤساء أحزاب في المعارضة أن يتلاقوا على تهشيم ما تحقّق في واحد من الملفات التي تُعتبر عن حق تحوّلا على مستوى المنطقة، وركنا من أركان إرساء استقرار الأمن الطاقوي العالمي.
يكفي لإدراك أهمية الإتفاق بمندرجاته وتفاصيله تتّبع الحبور الذي بدا عليه المنسق الرئاسي الخاص للشراكة من أجل البنى التحتية والاستثمار العالمي آموس هوكستين، والتقدير الذي يبديه لفريق التفاوض اللبناني الذي لعب في الساعات الأخيرة قبل التوصل الى الإتفاق على حافة الهاوية بغية تحصين المكتسبات اللبنانية وعدم التفريط بأي منها، مهما كان قليلا.
ويكفي لإدراك أهمية ما تحقق الاطلاع على خفايا المفاوضات ولا سيما في الأيام الأخيرة قبل فجر الإثنين 10 تشرين الأول، والنظر في الأوراق الكثيرة التي أعدّها المفاوض اللبناني. كلها نتيجة جهد وجرأة وشجاعة وعلم، فيما كان كثر من المسؤولين:
1-إمّا ينتظرون على حافة النهر متمنّين سقوط الإتفاق بصرف النظر عن ضرر هكذا تطور سلبي على لبنان واللبنانيين.
2-وإمّا يسعون الى عرقلته، كما حدث على إمتداد سنتيّ التفاوض وصولا الى المحاولة الأخيرة يوم الخميس 13 تشرين عبر السعي الى إدخال الإتفاق في بازار حكومي – نيابي بذريعة ضرورة إقراره في مجلس الوزراء ومن ثم عرضه على مجلس النواب.
3-وإما تفاجأوا به بعدما كانوا يعتقدون باستحالته، فعمدوا بعد تضعضع الى القنص عليه والتقليل من أهميته.
4-وإما كادوا ينسفونه من أصله بفعل عدم دراية وجهل فاضح بالملف، كما حصل في إحدى ليالي نيويورك على هامش إجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. في تلك الليلة، خرج هوكستين عن طوره وأسمع من يجب كلاما واضحا بضرورة تفادي الأخطاء والأهم حصر قنوات الإتصال بمن يملك المعرفة والعلم بدل تشعّبها يمنة ويسرة. واللافت أن بعض تلك القنوات تيقّن هوكستين أنها كانت تنسج من وراء ظهره، وتتقدّم باقتراحات وأفكار تتعارض مع جوهر عمله ومبادرته.
ولا يخفى أن المفاوض الأميركي الذي حظي بتغطية كاملة من الرئيس جو بايدن، اعتمد آلية عمل مختلفة عمّن سبقه في مهمة الوساطة، قائمة على منهجية علمية واضحة ومهنية، غير بليدة، والأهم أنه ابتعد عن لغة الفرض والأمر والتهديد التي اعتمدها إثنين ممن سبقوه، وأدّت حكما الى فشل التفاوض.
قامت تلك الآلية على الديبلوماسية المكوكية التي قادته مرارا الى بيروت وتل أبيب، كما الى عواصم عدّة عربية وإقليمية وأوروبية، من مثل الدوحة وباريس وبرلين وآثينا، منهيا بذلك عقدا كاملا من المفاوضات غير المباشرة في الناقورة التي ظلت تدور في حلقة مفرغة.
في الموازاة، حرص هوكستين على التأكد من جدية بيروت وتل أبيب بالتوصل الى إتفاق، مستفسرا خصوصا عن موقف حزب الله وهوية الجهة القادرة على التأثير فيه إيجابا. ومن ثم إنتقل من النقاش السفسطائي في ترسيم الخطوط فوق الماء الى معادلة الإتفاق على ما تحت الماء، في إشارة الى أن استغلال النفط والغاز أهم من مجرّد رسم خط أو التراجع عن آخر.
وأثبتت هذه الإستراتيجية فاعليتها تدرّجا، وصولا الى الإختراق الكبير الذي كرّس الإتفاق.
وكان للصياغات اللغوية دور في تذليل عقبات اللحظة الأخيرة والتي كادت تودي بكل ما تحقق، خصوصا في مسألة التزامن بين بدء شركة "توتال إنرجيز" الإستكشاف في البلوك رقم 9 والإتفاق الجانبي بينها وبين إسرائيل على التعويض لقاء الجزء الناتئ من حقل قانا، خارج الخط 23.
وسُجّل في هذا السياق دور فرنسي، وإن ظل متواضعا، عبر التدخل لدى توتال من أجل توفير الضمانات اللازمة لعودتها الى الحقول اللبنانية، الى جانب قبولها بأن يكون تعويض إسرائيل من أرباحها المحققة في حقل قانا.
|
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار انضموا إلينا عبر قناتنا على واتساب (channel whatsapp)
اضغط هنا