نداء الوطن
مع اقتراب موعد الثامن من تشرين الثاني الذي سيشهد الانتخابات النصفية المتوقّع أن يتلقّى خلالها الديموقراطيون "صفعة شعبية" مدوّية، وبينما يشعر الجمهوريون بالثقة بفوزهم، أدرج اليمينيون المحافظون على لائحة أولوياتهم للكونغرس المقبل ما يشفي غليلهم من خصومهم الديموقراطيين، ألا وهو "الانتقام".
ففي السنوات الأخيرة شهد حزب دونالد ترامب، سلسلة من التحقيقات القضائية والبرلمانية التي استهدفت الرئيس الجمهوري السابق الذي اعتبرها مع الجمهوريين "حملة اضطهاد سياسي" لا مثيل لها في تاريخ الولايات المتحدة. وكان لهذه التحقيقات تأثير هائل على اليمين الأميركي ونظرته تجاه خصومه الداخليين، خصوصاً المحسوبين على التيار اليساري داخل الحزب الديموقراطي.
وإذا صدقت استطلاعات الرأي واستعاد الحزب الجمهوري السيطرة على مجلس النواب وربّما أيضاً مجلس الشيوخ، فسيحدث تبادل للأدوار. وستسنح للجمهوريين فرصة إطلاق ملاحقات. وقد يكون هدفهم الأكبر الرئيس جو بايدن نفسه، كما أكدت النائبة الجمهورية نانسي ميس التي تحدّثت عن إطلاق البرلمانيين العام المقبل إجراءات اتهام بهدف العزل، "الإهانة" التي واجهها ترامب مرّتَين.
وقالت ميس لشبكة "أن بي سي" في أيلول: "أعتقد أن الجمهوريين يتعرّضون لضغوط للسير في هذا الاتجاه والحصول على تصويت (عزل)". لكن "الحلقة الضعيفة" التي ستكون في مرمى المحافظين المنتخبين هي نجل الرئيس الحالي هانتر بايدن، الذي يخضع في الواقع لتحقيقات يُجريها مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي آي) في شأن أعماله التي تُثير الكثير من الريبة وعلامات الاستفهام.
وفي الثامن من تشرين الثاني، ستكون 6 مقاعد إضافية كافية ليحصد الحزب الجمهوري الغالبية في مجلس النواب ويُصبح بالتالي قادراً على إخضاع السلطة التنفيذية لسيل من التحقيقات، فيما امتنع قادة الحزب حتّى الآن عن التصريح علناً بأن هذه نيّتهم. لكنّهم وعدوا في الوقت عينه بـ"فرض رقابة صارمة لوقف الفساد الحكومي وإساءة استعمال سلطة الحكم"، بحسب وثيقة صدرت في الأسابيع الأخيرة من الحملة.
وأعدّ الجمهوريون حتّى الآن أكثر من 500 طلب للحصول على معلومات ووثائق. وتمنح قواعد الكونغرس أعضاءه سلطة تحقيق واسعة، بما في ذلك القدرة على إصدار مذكّرات استدعاء ملزمة أو أوامر قضائية لتقديم مستندات قد تكون مفيدة للتحقيقات.
وبين كبار المسؤولين في إدارة بايدن الذين يُرجّح أن يجدوا أنفسهم في موقف حرج، من كانوا في السلطة أثناء الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان، أو المكلّفون سياسة الهجرة على الحدود مع المكسيك التي أصبحت "معبراً سهلاً" للمهاجرين غير الشرعيين الذين يتدفقون بكثافة إلى البلاد بلا حسيب أو رقيب. ويُمكن أن يدفع وزير الأمن الداخلي الحالي أليخاندرو مايوركاس الثمن ويكون هدفاً لإجراءات اتهام.
وينوي الجمهوريون أيضاً توجيه الاتهام إلى مستشار الشؤون الصحية للبيت الأبيض أنطوني فاوتشي، الذي أصبح هدفاً لهجماتهم. كذلك، يعتزم الجمهوريون "الانتقام" لقضية أخرى بعد عملية التفتيش التي حصلت بموافقة السلطات الفدرالية لمقرّ إقامة ترامب في منتجع "مارالاغو" بولاية فلوريدا في آب، وسمحت لمكتب التحقيقات الفدرالي بمصادرة وثائق.
ويُمكن لوزير العدل الأميركي ميريك غارلاند أن يتوقع محاسبته بقسوة على هذه الوقائع التي يعتبرها مؤيّدو ترامب انتهاكاً غير مسبوق لصلاحيات رئيس سابق. وكتب كيفن مكارثي، الذي يأمل في أن يُصبح الرئيس المقبل لمجلس النواب بعد الانتخابات، متوجّهاً إلى غارلاند: "احتفظ بوثائقك بشكل جيّد وخطّط لمواعيد" ليتمّ استجوابك. واتهم مكارثي الديموقراطيين بتحويل السلطة القضائية إلى "سلاح سياسي".
وينوي الجمهوريون أخيراً الردّ بالمثل على تحقيقَين طويلَين اعتبروهما "حملة سياسية شعواء". فقد أجرى التحقيق الأوّل من 2017 إلى 2019، المدّعي الخاص السابق روبرت مولر وكان في شأن تدخل روسيا المزعوم في الحملة الرئاسية الأولى لترامب، بينما تناول الثاني الهجوم على الكابيتول ويتوقع أن تنشر نتائجه قبل نهاية العام.
وفي هذا الصدد، ندّد ترامب أمس بالتحقيق الذي يُجريه الكونغرس في شأن هجوم بعض أنصاره على الكابيتول العام الماضي، واصفاً إيّاه بأنه "محاكمة صورية" و"مطاردة شعواء". وفي رسالة وجّهها إلى رئيس لجنة أحداث السادس من كانون الثاني 2021 بيني تومسون، لم يُشر ترامب إلى مذكّرة الاستدعاء التي أصدرتها لجنة مجلس النواب بحقه الخميس طلباً للإدلاء بشهادته.
وبدلاً من ذلك، كرّر الرئيس الجمهوري السابق انتقاداته للجنة، وكتب: "لم تُكرّسوا حتّى لحظة للنظر في التزوير الانتخابي الهائل الذي تمّ في انتخابات 2020 الرئاسية". وأضاف أن اللجنة "استمرّت في محاكمة صورية لم تشهد البلاد مثلها من قبل... ليس هناك مراعاة للأصول القانونية كما انه ليس هناك استجواب مضاد ولا أعضاء جمهوريون "حقيقيون" ولا شرعية، طالما أنكم لا تتطرّقون إلى التزوير الانتخابي".
كما دافع عن الذين اقتحموا مقرّ الكونغرس، واصفاً إياهم بـ"الوطنيين" و"المواطنين الأميركيين القلقين" على الوضع في بلدهم. وبعد استدعائه للإدلاء بشهادته، ردّ ترامب بمنشور عبر منصّته الاجتماعية "تروث سوشيل"، وتساءل: "لماذا لم تطلب منّي اللجنة غير المنتخبة أن أُدلي بشهادتي منذ شهور؟ لماذا انتظروا حتّى النهاية، حتّى اللحظات الأخيرة من آخر اجتماع لهم؟".
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن ترامب أبلغ مساعديه بأنّه يُفضّل الإدلاء بشهادته إذا كان بإمكانه القيام بذلك مع توافر بث مباشر للجلسة، لكن لم يتّضح بعد إن كانت اللجنة مستعدّة للاستجابة لطلب من هذا النوع.
وفي الغضون، رفضت المحكمة العليا طلب ترامب التدخل في المعركة القانونية الخاصة بتفتيش "أف بي آي" لمقرّ إقامته في منتجع "مارالاغو". وذكرت وكالة "أسوشييتد برس" في تقرير أن القضاة الأميركيين "لم يدلوا بمزيد من التفاصيل في شأن رفض طلب ترامب العاجل"، مشيرةً إلى أن هذه الخطوة تُقلّل إلى حدّ كبير من التأثير المحتمل لإجراءات المحقق الخاص في التحقيق الجنائي الجاري من قبل وزارة العدل في الوثائق السرّية.