صفاء درويش - الجمهورية
بسرعة قياسية بات اتفاق ترسيم الحدود والتنقيب واستخراج الغاز بين الدولة اللبنانية وكيان الإحتلال أمرًا واقعًا. هكذا تابعت دمشق هذا الملف، والذي بالطبع لا يمكن ألّا تدرس تَبعاته بعناية، نظرًا لعلاقتها الوطيدة بالملف سياسيًا واقتصاديًا ومن حيث البُعد الإقليمي له.
بحسب المعلومات، فإن الجانب السوري كان على علمٍ بمختلف تفاصيل الإتفاق، مركّزًا على ما يعنيه منه. في السياسة تعتبر دمشق أن الإتفاق سيسهّل بما لا يقبل الشك مسألة ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وسوريا، وبالتالي سيسهّل مسألة استخراج الغاز السوري من البحر، وتحديدًا في البلوكات المتنازَع / غير المتفق عليها مع لبنان. تحوّل لبنان بلدا نفطيا، يحمل في طيّاته بشائر ايجابية تجاه سوريا التي ترتبط به عضويًا وطبيعيًا. ما يعني الجانب السوري أكثر، أن أحد أواخر ملفات الحرب السورية التي لم تُغلق بعد وهي أزمة النازحين ستجد طريقها إلى الحل نتيجة الاتفاق.
وهنا يشير مصدر سياسي سوري الى أن لبنان ما كان ليذهب نحو حلول في ملف الغاز من دون تحصيل حلول على أكثر من صعيد، ومنها أزمة النازحين السوريين. إنّ تلبية طلب لبنان بإعادة النازحين إلى بلادهم، بحسب ما تشير الأجواء السورية، تعني أيضًا تلبية لمتطلبات سورية لاحقة قد يكون السماح لشركات اجنبية بالتنقيب والاستخراج في مياهها هو أحد أوجهها.
في هذا الإطار تشير المعلومات الى أن تلزيم لبنان شركة قطرية نسبة الـ20 % التي كان تم تلزيمها لشركة روسية تراجعت بعد العقوبات على روسيا، هو أمر لا يزعج الجانب السوري، وقد يكون هذا التلزيم فاتحة لتعاون اقتصادي يمتد نحو التنسيق السياسي مع قطر فيما بعد، كخطوة ولو متأخرة من خطوات اعادة تطبيع العلاقات السورية ـ العربية. طبعًا يأتي هذا الموقف هنا من حيث المبدأ من دون الغوص في تفاصيل الوجود الروسي ومصلحته في هذا الإطار.
الأجواء السورية لا تُبدي اي انزعاج أو ريبة من أن يكون اتفاق الغاز مقدمة لتطبيع يقترب من حدودها. هذا الإطمئنان السوري تُبديه أكثر من جهة انطلاقًا من أن مَن رضِي هذا الإتفاق واشرف عليه هي جهات حليفة متمثلة بالرئيس ميشال عون وفريقه السياسي، وبغطاء واستثمار لقوة «حزب الله» الذي لن يسمح بجر البلاد نحو مشاريع لا تشبهها.
في الشكل، لا يزال الجانب السوري ممتعضًا من لبنان الدولة، ولذلك قد يتطلّب انجاز أي ترسيم مقبل، أو أي شراكة مُحدثة في أي من الملفات، تواصل لبنان رسميًا بشخص رئيس الحكومة اللبنانية مع الحكومة السورية، وهو ما لم يحصل طوال السنوات السابقة. يستغرب السوريون جدًا تأخّر اللبنانيين في طي صفحة الحرب، بعدما تجاوزتها دول ساهمت في تمويل الإرهاب ودعمه وتأمين بيئة اقليمية ودولية حاضنة له، على حد تعبيرهم.
ولا يمانع الجانب السوري فكرة ترسيم الحدود مع لبنان، ولكن بالطبع لن يكون سهلًا إقناعه بتلازم مسارات الترسيم البرية والبحرية، لا سيما أن توجّساً ما تولّد طوال سنوات بعد محاولات فرض الترسيم البري بشروط غربية، من دون مراعاة خصوصية المناطق الحدودية وتداخلها الإجتماعي والإقتصادي.
أمام الدولة اللبنانية في عهد الرئيس المقبل، مهما كان توجّهه ومهما كان برنامجه، أن يعيد تصحيح العلاقات الطبيعية بين الدولتين انطلاقًا من مبدأ صَون مصلحة لبنان، على أن يكون اختتام عهد عون قد تُوّج ببدء العودة الجدية للنازحين. فالعهد المقبل مُطالَب برعاية مصالح لبنان والتي لا تتم سوى بتسوية الملفات العالقة، التي تبدأ بالترسيم وضبط الحدود ولا تنتهي بالإفراج عن الودائع السورية في المصارف اللبنانية.