غادة حلاوي - نداء الوطن
على مدى يومين وأكثر ساد القلق أميركياً وأوروبياً مما سيكون عليه موقف لبنان خلال اجتماع الجمعية العمومية للامم المتحدة المخصص للتصويت ضد روسيا لقرارها ضم مناطق اوكرانية اليها. راجعت سفارة أميركا في لبنان وزير الخارجية عبدالله بو حبيب فكان جوابه ان القرار النهائي مرهون برئيس الجمهورية ميشال عون. كان مطلوباً ان يقدم لبنان قراره الى الدول المعنية وقد خصص اجتماع بعبدا امس الاول لهذا الأمر. وأن يسبق اتفاق الترسيم اجتماع الجمعية العمومية فحكماً ستتم مقاربة القرار النهائي من ناحية الاتفاق الذي يحظى برعاية وضمانة اميركيتين. لكن في الاساس ووفق ما تؤكد مصادر وزارة الخارجية اللبنانية فالقضية قضية مبدأ لا يحيد عنه لبنان الرافض لهيمنة اي دولة على دولة اخرى، ولو ان من المفيد ايصال رسالة الى الدول الغربية الممثلة في لبنان باعتراض لبنان على سياسة الكيل بمكيالين في مقاربة موضوع الاعتداء على الدول. فتلتزم هي نفسها الصمت متى كانت اسرائيل هي المعتدية بينما تتحرك انصافاً لاوكرانيا.
أمس أبلغ لبنان سفراء الدول الغربية المعتمدين في لبنان كما سفراء الاتحاد الاوروبي عزمه على التصويت ضد روسيا في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة، حيث سيطرح التصويت ضد روسيا بعد الاستفتاء الذي اجرته لضم مناطق اوكرانية الى اراضيها. كانت السفيرة الاميركية اول من تبلغ بالقرار اللبناني لتعلن عن بالغ تقديرها وتعبر بالمناسبة عن فائض رضى بلادها بالتوصل الى اتفاق على الترسيم البحري مع اسرائيل. لم يكن متوقعاً في سياق الالتفاف الغربي حول لبنان والاتصال الذي اجراه الرئيس الاميركي جو بايدن بالرئيس ميشال عون أن تخرج الاوضاع عن مسار العلاقة التي سادها التحسن مع الاميركيين. من حيث المبدأ تعتبر الخارجية اللبنانية ان لبنان يدين ضم روسيا لمناطق اوكرانية الى اراضيها كما يدين ضم الضفة والجولان واراضي شبعا المحتلة الى اسرائيل، كما انه يرفض استخدام القوة لحل القضايا العالقة بين الدولتين. لم يجد لبنان نفسه مجبراً على التصويت الى جانب روسيا في قضية مبدئية. جاء اتفاق الترسيم والتواصل الاميركي مع العهد فاتحة خير بُني عليها القرار اللبناني، فتنفس رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي الصعداء وهو سارع الى زيارة عين التينة لتطويق اي تداعيات سياسية للثنائي على القرار، خاصة وان «حزب الله» لن يكون مؤيداً لقرار ضد روسيا بينما ايران على اعلى مستويات تنسيقها مع الروس حالياً. لكن لا ضير فلا احد يفكر في تعكير صفو اتفاق الترسيم واعطاء ذريعة تراجع اميركية او اسرائيلية.
ليس قراراً سهلاً تصويت لبنان ضد روسيا الى جانب أوكرانيا ولو كانت القضية قضية مبدأ، لكن القرار لم يأت من فراغ وهو جاء نتيجة مباحثات وأخذ ورد بعدما كان طالب به الاميركي كما الاوروبي، وحضروا مجتمعين الى وزارة الخارجية الاسبوع الماضي فكان جواب بو حبيب ان القرار الفصل هو بيد رئيس الجمهورية ميشال عون ومثله فعل ميقاتي. وبعد اتفاق الترسيم الذي رعاه الجانب الاميركي وأمّن وصوله الى بر الامان بضمانته كان بديهياً ان يبعث لبنان برسالة ثانية مطمئنة الى الاميركيين. بقراره التصويت ضد روسيا يتناغم لبنان مع موقفه السابق ازاء رفض الحرب الروسية على اوكرانيا، فالى الاعتبارات الانسانية هناك اعتبارات اخرى سياسية، بحيث لا يخطو اي خطوة مستفزة للاميركي الذي بذل جهوداً مضنية لإنجاح اتفاق الحدود البحرية، خاصة وان الاتفاق لا يزال رهين الموقف الاسرائيلي النهائي واحتمال التعديل عليه من الجانب الاميركي في اية لحظة. بالمقابل وفي ميزان المصالح فلا ضير من السؤال عن مصالح لبنان مع روسيا في الوقت الراهن والمكاسب السياسية التي سيجنيها في حال التصويت لصالحها ضد اوكرانيا. صحيح ان روسيا تملك حق الفيتو في مجلس الأمن فان سقف حضور لبنان في قرارات مجلس الامن هو عند التصويت لصالح التمديد لمهام «اليونيفيل» في لبنان وعدم تعديل مهامها، وهذا سيخضع لاعتبارات الظروف المحيطة في حينه.
في المرة الماضية ولحظة ابلغ بو حبيب السفير الروسي قرار لبنان ضد الهجوم الروسي على اوكرانيا اكتفى السفير بتبلغ القرار وغادر من دون ابداء اي رد فعل، وكذلك سيكون رد الفعل الروسي اليوم وان كان سيحمل استياء ضمنياً من موقف العهد حليف «حزب الله»، لكن في مصالح الدول تكون هناك اعتبارات اقوى تؤخذ في الاعتبار.
القرار اتخذ ولو كانت هناك تحفظات عليه من قبل المقربين الى العهد ولكنها لحظة اميركية باميتاز لن يعكر صفوها لبنان ولو كرمى للروس.